كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
176 - (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) يعني لو نشاء لرفعنا بلعام إلى السماء بعد موتهِ ، يعني إلى الجنان بسبب تقواه وعبادته (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ) أي ركنَ إلى الأرض ، يعني اختار البقاء في الأرض على الصعود إلى السماء واختارَ المال الفاني على النعيم الباقي بمعصيتهِ هذه (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) حيثُ سوّلت له نفسه أن يدعوَ على بني إسرائيل بالهلاك ، مع أنّهم لم يؤذوهُ ولم يحملوا عليه بكلام رديء فكذلك أنتم أيّها اليهود أخذتم في إيذاء محمّد وعاديتموه مع أنّه لم يؤذكم بل صدّق كتابكم وأيّدَ دينكم (فَمَثَلُهُ) أي فمثَل بلعام في ذلك (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ ) لتضربهُ (يَلْهَثْ) أي ينبح (أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ) أي ينبح (ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) فهم يؤذونك ويسبّونك ويستهزئون بك وإن كنت لم تتعرّض لهم بأذىً وبذلك يهلكون أنفسهم كما هلك بلعام (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) في أمر بلعام ولا يكونوا مثله .
وإليك قصّة بلعام من التوراة أذكرها باختصار ، فقد جاء في سفر العدد في الاصحاح الثاني والعشرين :
[ لَمّا سار بنو إسرائيل قاصدي الأردن قام بالاق بن صفور ملك موآب وجمع الشيوخ والرؤساء وقال لهم لقد قدم بنو إسرائيل إلى ديارنا وإنّهم لا يبقون لنا طعاماً ولا شراباً لكثرتهم فنموت جوعاً فاذهبوا إلى بلعام وكلّموه وائتوا بهِ فليدعُ على بني إسرائيل ويلعنهم كي ننتصر عليهم ويرجعوا عن بلادنا ، وبعث معهم هدايا لهُ ، فساروا إلى بلعام وكلّموه بذلك وقدّموا له الهدايا ، فقال لهم باتوا عندي اللّيلة حتّى أنظر في أمري ، فأوحى الله تعالى إليه في المنام أن لا تفعل ذلك ولا تدعُ على بني إسرائيل ، ولَمّا أصبح الصباح قال لهم لا أذهب معكم لأنّ الله نهاني عن ذلك ، فأخذوا يتوسّلون به ويتضرّعون إليه وقالوا له إمضِ معنا إلى مديان إلى الملِك وهناك إن شئت أن تدعوَ وإن شئت ترك الدعاء فالأمر لك .
فذهب معهم على بغلتهِ وفي منتصف الطريق وقفت بغلتهُ عن السير فضربها فلم تسِر وزجرها فلم تزدد إلاّ رسوخاً في الأرض فنزل عنها وأخذ يضربها ضرباً موجِعاً فنطقت بقدرة الله تعالى وقالت إنّ أمامي ملاكاً ينهاني عن السير وأنت تأمرني بذلك ، فتركها وسار معهم حتّى وصلوا إلى الملك بالاق فاستقبله المِلك وأكرمه وطلب منه أن يدعوَ على بني إسرائيل بالهلاك ، فقال لا أفعل ذلك لأنّ الله نهاني في المنام ، فقال الملِك لعلّها رؤيا كاذبة وأخذ يتوسّل إليه ويقدّم له الهدايا والأموال حتّى أغراه ، فصعدوا فوق جبل وقدّموا قرابين لله وأخذ بلعام يدعو ، فنطق بالدعاء وباللّعن على قوم الملِك لأنّه لم يمتلك أمر لسانه ، فصاح الملِك وضرب بيديه وقال ماذا تعمل وماذا تفعل؟ لقد دعوت علينا ولعنتنا ، فقال بلعام : ألم أقل لك أنا لا أقدر أن أعمل شيئاً بإرادتي فإنّ الله تعالى أخذ السُّلطة منّي على لساني فصار ينطق بغير إرادتي ، فقال الملِك وماذا نعمل الآن ؟ فقال بلعام لنذهب إلى جبل آخر ونقدّم قرابين لله وأدعو مرّة ثانية ، ففعل ولكنّه لم ينجح أيضاً بل أخذ لسانه يلعن قوم الملِك ويدعو عليهم ، ويمدح بني إسرائيل ويباركهم فصاح الملك ومزّق ثيابه ولطم وجهه وقال ماذا صنعت لقد أهلكتنا ولعنتنا . فقال بلعام لنذهب إلى جبل ثالث ، فذهبوا ودعا على قوم الملِك أيضاً .
فلمّا رأى بلعام أنّ خطّته هذه لم تنجح فكّر في خطّة ثانية وقال للملِك بالاق : إجمعوا كلّ امرأة حسناء منكم وليأخذنَ معهنّ أطباقاً من الفاكهة ويذهبنَ إلى بني إسرائيل ويبعنَ عليهم الفواكه فإذا أراد أحدهم أن يجامع إحداهنّ فلا تمتنع عن ذلك فإذا زنى أحدهم فإنّ الله تعالى يُنزّل عليهم الطاعون فيهلكوا . ففعلوا ذلك ونجحت خطّتهم ، وهذا معنى قوله تعالى (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) يعني بعد ما كان تقيّاً ينهَى عن الفحشاء أصبح عاصياً غاوياً يأمر بالفحشاء .
177 - (سَاء مَثَلاً ) تقليد اليهود لبلعام وساءَ مثَل (الْقَوْمُ الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) قبلهم فظلموا بها (وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) يعني لم يظلمونا بتكذيبهم بل ظلموا أنفسهم .
178 - (مَن يَهْدِ اللّهُ ) إلى طريق الحقّ (فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .
179 - (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ) يعني نشرنا لجهنّم كثيراً من نفوس الكافرين من الجنّ والإنس ، فكلمة "ذرأ " يكون معناها النشر والتفريق ، وكلمة " ذُرى" معناها اللّجوء إلى مكان ، وفي مختار الصحاح قال " الذَرأ بالفتح كلّ ما استذريتَ بهِ ، يُقال أنا في ظلِّ فلان وفي ذَراهُ ، أي في كنفهِ وسترهِ ودفئهِ" ، وقوله تعالى [في سورة الكهف] { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } أي تنشرهُ الرياح وتفرّقهُ .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ هؤلاء الّذينَ تركهم لجهنّم كانوا كافرين معاندين في دار الدنيا ، فقال تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ) يعني كانت لهم قلوب ولكن لا يفقهون بها (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) عن آياتنا .
180 - (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ولا تدعوا بأسماء غيره فتجعلونهم واسطة لكم وشفعاء بزعمكم (وَذَرُواْ الّذينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ ) يعني اُتركوا عادات من يميلون عن أسماء الله إلى أسماء غيرهِ من المخلوقين . فكلمة "إلحاد" معناها العُدول عن الاستقامة والانحراف عنها ، ومنه سُمّيَ اللّحد لأنّه يُحفر في جانب القبر (سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) وهذا تهديد ووعيد لهم بالعذاب .
181 - (وَمِمَّنْ) سبق ذكره ، يعني من المشركين (خَلَقْنَا أُمَّةٌ ) أي جماعة موحّدة (يَهْدُونَ) الناس (بِالْحَقِّ) أي بالدين الحقّ (وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) في الحُكم بين المتخاصِمين . وهم المسلمون ، والمعنى : كان آباؤهم كافرين مشركين فأصبح أبناؤهم مسلمين مؤمنين .
182 - (وَالّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم ) بالموت والقتل (مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) يعني نهلكهم بالتدريج حتّى لا يبقَى منهم أحد .
183 - (وَأُمْلِي لَهُمْ ) يا محمّد ، أي إقرأ عليهم وفهّمهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) أي قوي لا يتمكّن أحد أن يفلت منه ، وهي كلمة تهديد ووعيد .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |