كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 177) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

177 - (سَاء مَثَلاً ) تقليد اليهود لبلعام وساءَ مثَل (الْقَوْمُ الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) قبلهم فظلموا بها (وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) يعني لم يظلمونا بتكذيبهم بل ظلموا أنفسهم .

178 - (مَن يَهْدِ اللّهُ ) إلى طريق الحقّ (فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .

179 - (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ) يعني نشرنا لجهنّم كثيراً من نفوس الكافرين من الجنّ والإنس ، فكلمة "ذرأ " يكون معناها النشر والتفريق ، وكلمة " ذُرى" معناها اللّجوء إلى مكان ، وفي مختار الصحاح قال " الذَرأ بالفتح كلّ ما استذريتَ بهِ ، يُقال أنا في ظلِّ فلان وفي ذَراهُ ، أي في كنفهِ وسترهِ ودفئهِ" ، وقوله تعالى [في سورة الكهف] { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } أي تنشرهُ الرياح وتفرّقهُ .

ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّ هؤلاء الّذينَ تركهم لجهنّم كانوا كافرين معاندين في دار الدنيا ، فقال تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ) يعني كانت لهم قلوب ولكن لا يفقهون بها (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) عن آياتنا .

180 - (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ولا تدعوا بأسماء غيره فتجعلونهم واسطة لكم وشفعاء بزعمكم (وَذَرُواْ الّذينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ ) يعني اُتركوا عادات من يميلون عن أسماء الله إلى أسماء غيرهِ من المخلوقين . فكلمة "إلحاد" معناها العُدول عن الاستقامة والانحراف عنها ، ومنه سُمّيَ اللّحد لأنّه يُحفر في جانب القبر (سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) وهذا تهديد ووعيد لهم بالعذاب .

181 - (وَمِمَّنْ) سبق ذكره ، يعني من المشركين (خَلَقْنَا أُمَّةٌ ) أي جماعة موحّدة (يَهْدُونَ) الناس (بِالْحَقِّ) أي بالدين الحقّ (وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) في الحُكم بين المتخاصِمين . وهم المسلمون ، والمعنى : كان آباؤهم كافرين مشركين فأصبح أبناؤهم مسلمين مؤمنين .

182 - (وَالّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم ) بالموت والقتل (مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) يعني نهلكهم بالتدريج حتّى لا يبقَى منهم أحد .

183 - (وَأُمْلِي لَهُمْ ) يا محمّد ، أي إقرأ عليهم وفهّمهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) أي قوي لا يتمكّن أحد أن يفلت منه ، وهي كلمة تهديد ووعيد .

184 - (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم ) محمّد (مِّن جِنَّةٍ ) يعني من جنون كما ينسبون إليه ذلك (إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) .

185 - (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ) أي في مُلك (السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) يعني الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ) أي من مادّةٍ فيهنّ فيعلمون أنّ الّذي خلقهنّ واحد ويستدلّون بخلقتها وما فيها على قدرتهِ وحكمتهِ (وَأَنْ) لا شريك لهُ في خِلقتها (عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ) بالموت فماذا يكون مصيرهم بعد الموت (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ ) أي بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) إن لم يؤمنوا بالقرآن .

186 - (مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ) من الناس (وَيَذَرُهُمْ) أي يتركهم (فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي تكبّرهم (يَعْمَهُونَ) أي يتردّدون لا يبصرون الحقّ .

187 - نفر من قريش سألوا النبيّ (ع) فقالوا : "إن كنتَ نبيّاً إخبرنا متى نموت" . فنزلت هذه الآية: (يَسْأَلُونَكَ) يا محمّد (عَنِ السَّاعَةِ) يعني عن ساعة مماتهم 161 (أَيَّانَ مُرْسَاهَا ) يعني في أيّ وقت يكون ، والمعنى : في أيِّ وقت ترسو أجسامنا على الأرض ولا قيامَ لها (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا ) يعني عِلم ساعة مماتكم ( عِندَ رَبِّي ) ولا عِلمَ لي بذلك (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ) أي لا أحد يعلم بوقت موتكم فيكشف للناس عن ذلك إلاّ الله فهو العالم بوقت موتكم وموت كلّ إنسان وحيوان وفي أيّ أرضٍ يموت ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة لقمان {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، (ثَقُلَتْ) أي ثقلَ أمرها على الناس وعَظُمَ شأن الموت على الناس (فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) يعني إلاّ فجأةً ، أمّا القيامة فلا تكون فجأة بل لها علائم وأدلّة وحوادث كونيّة تسبقها . فحينئذٍ قالوا كأنّك حفيٌّ عنها ، فنزل قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ) يعني كأنّك لم تُحط بها علماً ، يُقال "حفّ القوم بهِ" أي أحاطوا به وداروا حوله ، ومن ذلك قول إبراهيم لأبيه {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } أي كان محيطاً بأعمالي وأفعالي ، والشاهد على ذلك قول عنترة يصف بعض النساء المحجّبات :

                              حَفَّتْ بهنّ مَناصِلٌ وذَوابِلٌ      ومَشَتْ بهنَّ ذَوامِلٌ ونَواجِ

يعني أحاطت بهنّ الرجال يحرسوهنّ ، ويُقال "حفيٌّ بهِ" أي عالِم بهِ و"حفيٌّ عنه" أي لا عِلمَ لهُ بهِ ، والشاهد على ذلك قول الأعشى :

                         فإنْ تَسْألِي عنِّي فيا رُبَّ سائِلٍ      حَفِيٍّ عنِ الأعشَى بهِ حيثُ أَصْعَدَا

و"الحوفة" قُبّةٌ مستديرة تُصنَع للعروس . ومِثل هذه الآية في سورة النازعات قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } أي ليس عندك عِلمٌ بوقتها فتذكرها لهم (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ ) ولا عِلمَ لي بذلك (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) الحقيقة فيسألون أسئلة تافهة . ومن كنايات العرب يكنّون الجاهل بالشيء "حافي" والعالم بالشيء "مُنتعِل" .

188 - ولَمّا سألوا النبيّ عن المغيّبات نزل قوله تعالى (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) يعني إلاّ ما أراد الله لي من نفع وما دفعه عنّي من ضُرٍّ (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ ) أي ما أنا (إِلاَّ نَذِيرٌ ) لكم عن عبادة الأوثان والأصنام (وَبَشِيرٌ) بالجنّة والنعيم (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) بالله ورسوله ولا يُشركون بهِ أحداً .

------------------------------------

161 :تأتي كلمة "الساعة" مرّة بالقيامة ومرّة بساعة ممات الإنسان ومِمّا يؤيّد ذلك قوله تعالى (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) ، أي فجأة : فإنّ الموت يأتي فجأة ، ومن ذلك قول الراجز : (يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ…..وَغَرَّهُ طُولُ الأَمَلْ) (الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً…..والقَبْرُ صُنْدُوقُ العَمَلْ)

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم