كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 185) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

185 - (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) أي كلّ نفس تشعر بالموت وتذوق آلامه ، ولكنّ النفس لا تفنى لأنّها أثيريّة ، والإنسان الحقيقي هو النفس أي الروح وليس الجسم ، وقد شرحت هذا الموضوع في كتابي الإنسان بعد الموت بالتفصيل ، وقوله (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي تُعطَون جزاء أعمالكم وافياً إن خيراً فثواب وإن شرّاً فعقاب (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) فوزاً عظيماً .

تُحشر النفوس يوم القيامة في الفضاء حول الشمس فتأتي الملائكة وتسحب النفوس الصالحة من جاذبية الشمس وتأخذها إلى الجنّة ، أمّا النفوس الشريرة الكافرة فتبقى في مكانها مُعذّبة تحت جاذبية الشمس ، فهذا معنى قوله تعالى (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) يعني فمن زحزحته الملائكة عن الشمس وجاذبيّتها وأخذتهُ إلى الجنّة فقد فاز ، وأمّا من بقي فيها مُقيّداً بجاذبيّتها فقد هلك (وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) ، ومعناهُ وما لذّات الدنيا وشهواتها وزينتها إلاّ أسباب الغرور فهي تغرّكم كما يغري الصيّاد بحبّاته فإذا نزل الطير ليأكلهُ وقع في فخّ الصيّاد فكونوا على حذر ولا تقعوا في فخّها . وفي ذلك قال الشاعر :

                               ألا يا خائِضاً بحرَ الأمانِي      هداكَ اللهُ ما هذا التّوانِي
                           أضَعْتَ العُمرَ عِصْياناً وجَهلاً      فمَهلاً أيّها المغرورُ مَهلاً
                        مضَى عُمْرُ الشّبابِ وأنتَ غافِلْ      وفي ثَوبِ العَمَى والغَيّ رافِلْ
                              علَى تَحْصِيلِ دُنياكَ الدنيّةْ      مُجِدّاً في الصباحِ وفي العَشيّةْ
                           وقلبُكَ لا يفيقُ منَ المعاصِي      فويلَكَ يومَ يُؤخَذُ بالنّواصِي
                           وجَهْلُ المرْءِ في الدّنيا شديدُ      وليس ينالُ منها ما يُريدُ

وقد سئل المسيح (ع) لِمَ لا تتزوّج؟ فقال : "إذا تزوّجت صار لي أولاد ، والأولاد إن عاشوا فَتَنُوا وإنْ ماتوا أحزنوا " .

186 - (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ) يعني سنختبركم في أموالكم فنرى من ينفق منها ومن يبخل بِها على الفقراء والمحتاجين (وَأَنفُسِكُمْ) فنرى من يستعملها في طاعة الله ، ومن يستعملها في طاعة الشيطان (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) يعني من اليهود (وَمِنَ الّذينَ أَشْرَكُواْ ) يعني من مُشركي العرب (أَذًى كَثِيرًا ) من السبّ والطعن في الدِين وإغراء الناس عليكم (وَإِن تَصْبِرُواْ ) على ذلك (وَتَتَّقُواْ) مخالفة أمر الله (فَإِنَّ ذَلِكَ ) الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الاُمور ) أي من عزيمة المخلوقات الروحانيّة ، لأنّ كلّ قسم منها يُسمّى "أمر" ومجموعها " اُمور" ، والمعنى : إنّ الصبر والتقوى من سجايا الملائكة وهيَ عادات حسنة . ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء قوله تعالى {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .

187 - (وَإِذْ) تقديره واذكر لهم يا محمّد إذ (أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ) يعني اليهود ، والميثاق هو العهد ، والمعنى : ذكّرهم يا محمّد بالعهد الذي أخذه الله عليهم بأن لا يعبدوا البقر ولا الحجر ولا النجم ولا الشجر بل يعبدوا الله وحده ولا يُشركوا بهِ شيئاً ، وأكّد على علمائهم وأحبارهم بقوله تعالى لهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) أي يجب عليكم أيّها الأحبار أن تُذكّروا أصحابكم وقومكم بهذا العهد وتبيّنوه لهم جيلاً بعد جيل لئلاّ ينسَوهُ ويلتفتوا إلى الأصنام فيعبدوها (وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) أي ولا تكتموا العهد عن قومكم خوفاً من رؤسائكم وملوككم بل يجب عليكم أن تذكّروهم على الدوام .

ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم نقضوا العهد الذي أخذه عليهم وعبدوا الأصنام والنجم والشجر فقال تعالى (فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ ) وهذا مثَل يُضرَب عند العرب يقال في العهد إذا نقضوه أو في شيء تركوه ، ومعناهُ : تركوا عهد الله جانباً ولم يَفُوا به (وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) يعني استبدلوا بهِ مالاً يسيراً ، وذلك أنّ رؤساءهم وملوكهم أعطَوا الأحبار من المال والهدايا ليُسكتوهم عن الدعوة إلى التوحيد وبقائهم على عبادة الأصنام فأخذوا المال وسكتوا (فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) أي بئسَ المال الذي أخذوهُ بدل تذكير قومهم على العهد ودعوتهم إلى عبادة الله لأنّ المال يزول وآخذي المال يُعاقَبون في الآخرة .

188 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ أحبار اليهود الّذينَ أخذوا المال وفرحوا به وسكتوا عن عبادة قومهم للأصنام والأوثان فقال (لاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أوتُواْ ) بما أتوا من تغيير وتبديل في دينهم ليرأسوا قومهم ، يعني بما جاؤوا به من تغيير في أحكام الدين (وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ ) بين قومهم فيحترموهم ويمدحوهم ويقبّلوا أيديهم (بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ ) من فِعلٍ يستحقّون عليه المدح بين الناس أو يستحقّون به الثواب عند الله بل لمجرّد أنّهم أحبار (فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) أي لا تظنّ أنّهم ينجون من العذاب يوم القيامة بعذرهم إذا قالوا إنّنا لم نعبد الأصنام كما عبدَ قومنا ، فنقول لهم ألم تكونوا علماء قومكم وأحبارهم فلِمَاذا لمْ تعلّموهم وتذكّروهم بالعهد الذي أخذهُ الله عليهم في زمن موسى بل سكتّم عنهم وفرحتم بالمال الّذي أخذتموه من رؤسائكم ؟ فهؤلاء لهم الخزي في البرزخ (وَلَهُمْ) يوم القيامة (عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

189 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّه غنيّ عن عبادة خلقه فقال (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) فلا يحتاج إلى عبادة أحد من خلقه ، فإن دعوتم الناس إلى عبادته أيّها الأحبار فإنّكم تؤجَرون وإن تركتم الدعوة ورضيتم بالإشراك فإنّكم تخسرون ، (وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلو شاء لهداهم إلى التوحيد ولكن يهدي من كان أهلاً للهداية ويضلّ من يستحقّ الضلالة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم