كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
186 - (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ) يعني سنختبركم في أموالكم فنرى من ينفق منها ومن يبخل بِها على الفقراء والمحتاجين (وَأَنفُسِكُمْ) فنرى من يستعملها في طاعة الله ، ومن يستعملها في طاعة الشيطان (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) يعني من اليهود (وَمِنَ الّذينَ أَشْرَكُواْ ) يعني من مُشركي العرب (أَذًى كَثِيرًا ) من السبّ والطعن في الدِين وإغراء الناس عليكم (وَإِن تَصْبِرُواْ ) على ذلك (وَتَتَّقُواْ) مخالفة أمر الله (فَإِنَّ ذَلِكَ ) الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الاُمور ) أي من عزيمة المخلوقات الروحانيّة ، لأنّ كلّ قسم منها يُسمّى "أمر" ومجموعها " اُمور" ، والمعنى : إنّ الصبر والتقوى من سجايا الملائكة وهيَ عادات حسنة . ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء قوله تعالى {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .
187 - (وَإِذْ) تقديره واذكر لهم يا محمّد إذ (أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ) يعني اليهود ، والميثاق هو العهد ، والمعنى : ذكّرهم يا محمّد بالعهد الذي أخذه الله عليهم بأن لا يعبدوا البقر ولا الحجر ولا النجم ولا الشجر بل يعبدوا الله وحده ولا يُشركوا بهِ شيئاً ، وأكّد على علمائهم وأحبارهم بقوله تعالى لهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) أي يجب عليكم أيّها الأحبار أن تُذكّروا أصحابكم وقومكم بهذا العهد وتبيّنوه لهم جيلاً بعد جيل لئلاّ ينسَوهُ ويلتفتوا إلى الأصنام فيعبدوها (وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) أي ولا تكتموا العهد عن قومكم خوفاً من رؤسائكم وملوككم بل يجب عليكم أن تذكّروهم على الدوام .
ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم نقضوا العهد الذي أخذه عليهم وعبدوا الأصنام والنجم والشجر فقال تعالى (فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ ) وهذا مثَل يُضرَب عند العرب يقال في العهد إذا نقضوه أو في شيء تركوه ، ومعناهُ : تركوا عهد الله جانباً ولم يَفُوا به (وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) يعني استبدلوا بهِ مالاً يسيراً ، وذلك أنّ رؤساءهم وملوكهم أعطَوا الأحبار من المال والهدايا ليُسكتوهم عن الدعوة إلى التوحيد وبقائهم على عبادة الأصنام فأخذوا المال وسكتوا (فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) أي بئسَ المال الذي أخذوهُ بدل تذكير قومهم على العهد ودعوتهم إلى عبادة الله لأنّ المال يزول وآخذي المال يُعاقَبون في الآخرة .
188 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ أحبار اليهود الّذينَ أخذوا المال وفرحوا به وسكتوا عن عبادة قومهم للأصنام والأوثان فقال (لاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أوتُواْ ) بما أتوا من تغيير وتبديل في دينهم ليرأسوا قومهم ، يعني بما جاؤوا به من تغيير في أحكام الدين (وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ ) بين قومهم فيحترموهم ويمدحوهم ويقبّلوا أيديهم (بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ ) من فِعلٍ يستحقّون عليه المدح بين الناس أو يستحقّون به الثواب عند الله بل لمجرّد أنّهم أحبار (فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) أي لا تظنّ أنّهم ينجون من العذاب يوم القيامة بعذرهم إذا قالوا إنّنا لم نعبد الأصنام كما عبدَ قومنا ، فنقول لهم ألم تكونوا علماء قومكم وأحبارهم فلِمَاذا لمْ تعلّموهم وتذكّروهم بالعهد الذي أخذهُ الله عليهم في زمن موسى بل سكتّم عنهم وفرحتم بالمال الّذي أخذتموه من رؤسائكم ؟ فهؤلاء لهم الخزي في البرزخ (وَلَهُمْ) يوم القيامة (عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
189 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّه غنيّ عن عبادة خلقه فقال (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) فلا يحتاج إلى عبادة أحد من خلقه ، فإن دعوتم الناس إلى عبادته أيّها الأحبار فإنّكم تؤجَرون وإن تركتم الدعوة ورضيتم بالإشراك فإنّكم تخسرون ، (وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلو شاء لهداهم إلى التوحيد ولكن يهدي من كان أهلاً للهداية ويضلّ من يستحقّ الضلالة .
190 - (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) يعني الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (وَاخْتِلاَفِ اللّيل وَالنَّهَارِ ) فيهنّ بواسطة دورانِهنّ (لآيَاتٍ) أي لعلامات واضحة وأدلّة بيّنة على أنّ لها خالقاً خلقها وحكيماً أبدعها وأتقنّ صُنعها (لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) أي لذوي العقول الواعية .
191 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وصف أولي الألباب ومدحهم فقال (الّذينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) أي يذكرون الله عند قيامهم وقعودهم ومُضطجعين على فراشهم ، والمعنى : يذكرونهُ على الدوام وفي جميع الحالات ويستعينون بهِ ولا يستعينون بغيره في قيامهم وقعودهم . ولا تجوز الاستعانة بغير الله ولو تقول "يا محمّد" عند قيامك ، فمن استعان بالأئمّة والمشايخ والأنبياء في قيامه وقعوده فهو مُشرك (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ودورانها حول محورها لينتج فيها اللّيل والنهار ، ثمّ دورانها حول الشمس ليحدث فيها الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف ، ويتفكّرون فيما أبدع الله في هذه الكواكب السيّارة من عجائب المخلوقات وكثرة الآيات فيقولوا (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا ) الكون (بَاطِلاً) أي عبَثاً بدون غاية (سُبْحَانَكَ) أي تنزيهاً لك عن الخطأ (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) بهدايتك لنا إلى طريق الحقّ وبغفرانك لذنوبنا .
192 - (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ ) بسبب ظلمهِ وكفرهِ (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ) أي فقد فضحتهُ بين النفوس (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ينصرونهم ويُخلّصونهم من عذاب النار .
193 - (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا ) هو محمّد (يُنَادِي لِلإِيمَانِ ) فيقول (أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ ) وحدهُ لا تُشركوا بهِ شيئاً (فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) الماضية (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ) الآتية ، يعني إغفر لنا الكبائر الّتي عملناها قبل إسلامنا وكفّرْ عنّا الصغائر إذا صدرت منّا في المستقبل (وَتَوَفَّنَا) إذا توفّيتنا (مَعَ الأبْرَارِ ) أي اكتبنا معهم واحشرنا في زُمرتِهم .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |