كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 188) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

188 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذمّ أحبار اليهود الّذينَ أخذوا المال وفرحوا به وسكتوا عن عبادة قومهم للأصنام والأوثان فقال (لاَ تَحْسَبَنَّ الّذينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أوتُواْ ) بما أتوا من تغيير وتبديل في دينهم ليرأسوا قومهم ، يعني بما جاؤوا به من تغيير في أحكام الدين (وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ ) بين قومهم فيحترموهم ويمدحوهم ويقبّلوا أيديهم (بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ ) من فِعلٍ يستحقّون عليه المدح بين الناس أو يستحقّون به الثواب عند الله بل لمجرّد أنّهم أحبار (فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ) أي لا تظنّ أنّهم ينجون من العذاب يوم القيامة بعذرهم إذا قالوا إنّنا لم نعبد الأصنام كما عبدَ قومنا ، فنقول لهم ألم تكونوا علماء قومكم وأحبارهم فلِمَاذا لمْ تعلّموهم وتذكّروهم بالعهد الذي أخذهُ الله عليهم في زمن موسى بل سكتّم عنهم وفرحتم بالمال الّذي أخذتموه من رؤسائكم ؟ فهؤلاء لهم الخزي في البرزخ (وَلَهُمْ) يوم القيامة (عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

189 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّه غنيّ عن عبادة خلقه فقال (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) فلا يحتاج إلى عبادة أحد من خلقه ، فإن دعوتم الناس إلى عبادته أيّها الأحبار فإنّكم تؤجَرون وإن تركتم الدعوة ورضيتم بالإشراك فإنّكم تخسرون ، (وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلو شاء لهداهم إلى التوحيد ولكن يهدي من كان أهلاً للهداية ويضلّ من يستحقّ الضلالة .

190 - (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) يعني الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض (وَاخْتِلاَفِ اللّيل وَالنَّهَارِ ) فيهنّ بواسطة دورانِهنّ (لآيَاتٍ) أي لعلامات واضحة وأدلّة بيّنة على أنّ لها خالقاً خلقها وحكيماً أبدعها وأتقنّ صُنعها (لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) أي لذوي العقول الواعية .

191 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في وصف أولي الألباب ومدحهم فقال (الّذينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) أي يذكرون الله عند قيامهم وقعودهم ومُضطجعين على فراشهم ، والمعنى : يذكرونهُ على الدوام وفي جميع الحالات ويستعينون بهِ ولا يستعينون بغيره في قيامهم وقعودهم . ولا تجوز الاستعانة بغير الله ولو تقول "يا محمّد" عند قيامك ، فمن استعان بالأئمّة والمشايخ والأنبياء في قيامه وقعوده فهو مُشرك (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ودورانها حول محورها لينتج فيها اللّيل والنهار ، ثمّ دورانها حول الشمس ليحدث فيها الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف ، ويتفكّرون فيما أبدع الله في هذه الكواكب السيّارة من عجائب المخلوقات وكثرة الآيات فيقولوا (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا ) الكون (بَاطِلاً) أي عبَثاً بدون غاية (سُبْحَانَكَ) أي تنزيهاً لك عن الخطأ (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) بهدايتك لنا إلى طريق الحقّ وبغفرانك لذنوبنا .

192 - (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ ) بسبب ظلمهِ وكفرهِ (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ) أي فقد فضحتهُ بين النفوس (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ينصرونهم ويُخلّصونهم من عذاب النار .

193 - (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا ) هو محمّد (يُنَادِي لِلإِيمَانِ ) فيقول (أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ ) وحدهُ لا تُشركوا بهِ شيئاً (فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) الماضية (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ) الآتية ، يعني إغفر لنا الكبائر الّتي عملناها قبل إسلامنا وكفّرْ عنّا الصغائر إذا صدرت منّا في المستقبل (وَتَوَفَّنَا) إذا توفّيتنا (مَعَ الأبْرَارِ ) أي اكتبنا معهم واحشرنا في زُمرتِهم .

194 - (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ) من النعيم في الجنان (عَلَى) ألسُن (رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) بين النفوس فتكشف لهم عن ذنوبنا فنفتضح بل استرها عنهم (إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) الّذي وعدتنا بهِ .

195 - (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) دُعاءهم وقال (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ) بل اُعطيهِ أجرهُ مضاعفاً سواءً (مِّن ذَكَرٍ ) كان العمل (أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) أي الذكور من الإناث وكلّكم من آدم فلا فرق بين الذكور والإناث في العمل وإنّ أكرَمَكمْ عندَ اللهِ أتقاكُمْ (فَالّذينَ هَاجَرُواْ ) من مكّة إلى المدينة (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ) ظُلماً (وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ ) المشركينَ (وَقُتِلُواْ) في سبيلي (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ ) أثيريّة (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا ) لهم (مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) أي أحسن الجزاء .

196 - (لاَ يَغُرَّنَّكَ ) يا محمّد (تَقَلُّبُ الّذينَ كَفَرُواْ ) أي تصرّفهم (فِي الْبِلاَدِ ) سالمين غير مؤاخَذِين بذنوبِهم .

197 - (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ) يتمتّعون به في الدّنيا (ثُمَّ) يموتون فيكون (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها (وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الّذي مهّدوه لأنفسهم .

198 - (لَكِنِ الّذينَ اتَّقَوْاْ ) عذابَ (رَبَّهُمْ) بعمل الطاعات واجتناب السيّئات (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) أي من تحت أشجارها الأنهار ، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص :

                               أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ      لِلماءِ مِن تَحتِها سُكوبُ

(خَالِدِينَ فِيهَا ) على الدوام (نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ ) النُّزُل ما يُعدّ للضيف والنزيل من طعام وشراب ، ومن ذلك قول الخنساء :

                       يُحامي عَنِ الحَيِّ يَومَ الحِفاظِ      وَالجارِ وَالضَيفِ وَالنُزَّلِ

النُزُل جمع نزيل وهو الّذي ينزل قرب دارك . والمعنى : إنّهم ضيوف عند الله والله مضيّفهم في جنانه يأكلون من ثمارها ويشربون من أنهارها ويتمتّعون بالنظر إلى حورها وقصورها وأشجارها وطيورها (وَمَا عِندَ اللّهِ ) من النعيم (خَيْرٌ) مِمّا يتمتّع به الكفّار في الدنيا ، وهو مُعدٌّ (لِّلأَبْرَارِ) في الآخرة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم