كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 188) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

188 - ولَمّا سألوا النبيّ عن المغيّبات نزل قوله تعالى (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) يعني إلاّ ما أراد الله لي من نفع وما دفعه عنّي من ضُرٍّ (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ ) أي ما أنا (إِلاَّ نَذِيرٌ ) لكم عن عبادة الأوثان والأصنام (وَبَشِيرٌ) بالجنّة والنعيم (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) بالله ورسوله ولا يُشركون بهِ أحداً .

189 - (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) إنّ [الحديث هنا] يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم لا إلى آدم وحوّاء . والمعنى : خلق كلّ واحدٍ منكم من نفس واحدة ولكلّ نفس زوج هو منها أي من جنسها كما قال سُبحانهُ في سورة الروم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } ، (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ) أي فلمّا وطأ كلّ إنسان زوجته ، ثمّ خصّ بالذِكر أحد رؤساء قريش طلب من الله الولد فلمّا أعطاه الولد سمّاه عبد العزّى وأشرك في تسميته بأن جعله عبداً للصنم ، وذلك قوله تعالى (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا ) من الخفّة بمعنى تقوم وتقعد وتجيء وتذهب (فَمَرَّتْ بِهِ ) أي استمرّت بالحمل على الخِفّة بضعة أشهر ، (فَلَمَّا أَثْقَلَت ) بالحمل واقترب وضع الحمل (دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا ) فقالا (لَئِنْ آتَيْتَنَا ) ولداً (صَالِحاً) أي معافَى ليس به عاهة (لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لك .

190 - (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) أي ولداً صالحاً معافَى (جَعَلاَ لَهُ ) أي لله (شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) أي في الولد الذي أعطاهما فبدلاً من تسميته عبد الله أسمياه عبد العزّى ، والعزّى صنم من الأصنام فقلّده قومه في ذلك فصاروا يسمّون أولادهم عبد اللّات وعبد العزّى وعبد مناة (فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قريش من قيامهم بهذا التقليد السيّء .

191 - ثمّ قال تعالى (أَيُشْرِكُونَ) معه (مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ) من المادّة ، والمعنى : أيشركون معه الأرواح التي لم تخلق شيئاً من المخلوقات الموجودة على الأرض بل كلّ ما في الوجود هو من مخلوقات الله وصُنعه (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) يعني وهم مخلوقون ، والمعنى : أيشركون معه ملوكهم ورؤساءهم الأموات فصنعوا لهم تماثيل وعبدوها من دون الله . وإنّما قال تعالى (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) على صيغة المضارع يعني رؤساءهم الأموات يُخلَقون يوم القيامة لأنّ الله تعالى يخلق لهم جلوداً أثيرية ويلقيهم في النار ، وذلك قوله تعالى في سورة النساء {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } .

192 - (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ ) يعني ملوكهم الأموات لا يستطيعون للمشركين (نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) فينجون من العذاب .

193 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ ) يعني تدعوا المشركين من أهل مكّة (إِلَى الْهُدَى ) الّذي أنتم عليه (لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ) إليه لإصرارهم على الكفر وعنادهم (سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ ) ونظيرها في سورة البقرة قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .

194 - كان بعض المشركين يصنعون تماثيل لملوكهم وؤسائهم فيقدّسونها ، وبعد مرور الأجيال يعبدها أولادهم إذ يزداد التقديس والتعظيم لها فتصبح عبادة ، كما هيَ الحالة عند المسيحيّين إذ أصبحوا يعبدون المسيح واُمّهُ ، وكذلك بعض فِرق الإسلام أصبحوا يعبدون المشايخ والأئمّة من دون الله . فنزلت فيهم هذه الآية (إِنَّ الّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) يعني تدعونهم لدفع الضرّ عنكم أو لجلب نفعٍ إليكم ، هم (عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) ولا فرق بينكم وبينهم في الخِلقة فهم غير قادرين على نفعكم بشيء ولا دفع الضرّ عنكم لأنّهم أرواح أثيريّة (فَادْعُوهُمْ) امتحاناً إلى شيء من ذلك (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في دعواكم بأنّهم ينفعونكم ويضرّون . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ سبب عجزهم عن مُساعدةِ من يدعوهم ويستنجد بهم فقال :

195 - (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ) على الأرض كي يأتوا لمساعدتِكم ؟ كلّا أرجلهم أثيريّة لا تمشي على الأرض لأنّها مُصطفّة اليُمنى باليُسرى . وذلك قوله تعالى في سورة القيامة {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } ، (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ ) ماديّة من لحم وعظام مثلكم ( يَبْطِشُونَ بِهَا ) أعداءكم ؟ كلّا فإنّ أيديهم أثيريّة لا يقدرون على شيء من المادّة ولا حمل شيء منها ولو كانت ريشة طائر ، (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ) ؟ كلّا ليس لهم أعين ماديّة تقاوم أشعّة الشمس وحرارتها بل لهم أبصار تضجر من الشمس وأشعّتها (أَمْ لَهُمْ آذَانٌ ) ماديّة (يَسْمَعُونَ بِهَا ) ؟ كلّا ليس لهم آذان ماديّة تقاوم الأصوات العالية والضوضاء ، بل لهم أسماع أثيريّة لا تقاوم الضوضاء وتضجر منها

(قُلِ) يا محمّد (ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ) ليساعدوكم على قتالي (ثُمَّ كِيدُونِ ) بما دبّرتم ضدّي من مكيدة (فَلاَ تُنظِرُونِ ) أي فلا تنتظرون إلى وقتٍ آخر إن أمكنكم ذلك . والمعنى : إنّ الله يُساعدني وينصرني عليكم فلا تقدرون على قتلي مهما دبّرتم ضِدّي ولو جاءت شركاؤكم معكم .

196 - فإن كنتم وَالَيتُم الموتى فَ (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ) أي القرآن (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) في اُمورهم وشؤونهم الدنيويّة والاُخرويّة.

197 - (وَالّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ) لأنّهم نفوس أثيريّة ( أرواح) ، (وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) إن أصابهم ما يكرهون .

198 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ ) يعني وإن تدعوا المشركين (إِلَى الْهُدَى ) الّذي أنتم عليه (لاَ يَسْمَعُواْ ) دُعاءكم لشدّةِ عنادهم (وَتَرَاهُمْ) يا محمّد (يَنظُرُونَ إِلَيْكَ ) بأعينهم (وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) أي ليس لهم بصيرة فيفكّروا فيما تقول لهم ويعقلوا .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم