كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 19) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

19 - كانت العادة في زمن الجاهلية إذا مات الرجل ورث ابنهُ زوجة أبيهِ كما يرث المال فيلقي ثوبهُ عليها فتكون إرثاً له فإن شاء تزوّجها بلا صداق وإن شاء زوّجها غيره وأخذ صداقها ، فنزلت هذه الآية نهياً للمسلمين عن تلك التقاليد (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا ) يعني وهنّ كارهات (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) يعني ولا تهجروا نِساءكم فلا أنتم مُجتمعون بهنّ في المبيت ولا مُطْلِقون سراحهنّ ليتزوّجنَ غيركم ، وغايتكم بذلك لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ من صداق . فالعضل معناه المنع والحبس ، وقد سبق تفسير هذه الكلمة في سورة البقرة في آية 232 ، وكانوا إذا كرهَ أحدهم زوجته هجرها فلا يُطلّقها حتّى تعطيه نصف صداقها الّذي دفعهُ لها ، وقوله (إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ) يعني فلا يحلّ لكم أخذُ شيء من صداقهنّ ولا طلاقُهنّ إلاّ أنْ يزنِينَ فحينئذٍ يُباح لكم أخذ الصداق منهنّ وطلاقُهنّ . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الطلاق {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ، وقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي بالإنصاف في النفَقة والمبيت والقول الجميل (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ) لدمامتهنّ (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا ) في أنفسكم (وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) بأن يرزقكم منهنّ أولاداً صالحين ينفعونكم عند الكبر ، أو تموت واحدة منهنّ فيرثها زوجها ، أو تكون على أحدكم شِدّة من مرض أو سجن فتقوم زوجته بخدمتهِ ، فكلمة "عسَى" تأتي بمعنى لعلّ ، ومن ذلك قول عنترة :

                                  فيا طيرَ الأراكِ بِحقّ ربٍّ      يراكَ عساكَ تعلمُ أينَ حلُّوا

وقال أيضاً :
                                عَسَى الأَيّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ      وَبَعدَ الهَجْرِ مُرُّ العَيشِ يَحلُو

وإليك هذه الحادثة أذكرها كشاهد على قوله تعالى (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) إحدى جاراتنا الفاسقات كانت تلد مرّةً ذكراً ومرّةً اُنثى ، فكرهت آخر حمل لَها أن تلده إذ اعتقدت أن في بطنها اُنثى على موجب ما اعتادت عليه سابقاً ، وأرادت أن تُسقِطَ جنينها بكلّ وسيلة ممكنة فلم يتيسّر لها ذلك ، فذهبت إلى دكتورة في بغداد وقالت لها أعطيك مائة دينار على أن تُسقطي الجنين الّذي في بطني ، فقالت لها لا أفعل ذلك إلاّ برِضاً من زوجِكِ لئلاّ أكون مسؤولة في المحاكم . ولَمّا كانت تعلم أنّ زوجها لا يرضى بذلك عمدت إلى وسيلة اُخرى إذ حملت سلعة ثقيلة إشتراها زوجها من بغداد إلى كراج السيّارات ، ولم توافق على أن يحملها زوجها أو أن يضعها في سيّارة تاكسي ، وبهذه الطريقة صارت تنزف دماً من بطنها لكي تُسقط الجنين الّذي في بطنها . ولَمّا كان الله تعالى يريد بقاء هذا الجنين في قيد الحياة لأنّ زوجها رجل صالح أراه رؤيا في المنام كأنّ امرأتين وقد شنقتا جنيناً ذكراً بمحرمة لفّتها إحداهما على عنقه وأمسكت بطرفها وأخذت المرأة الثانية بطرفها الآخر تريدان خنق الجنين ، فانتبه من نومه مرعوباً وقصّ رؤياه على زوجته وقال لها إنّ حملك ذكر وليس اُنثى ، وذهب إلى الصيدلية وجاء بحبوب فأخذتها فانقطع النزيف ولم يسقط جنينها . ولَمّا ولدت فإذا هو ذكر ففرحت به وكان خيراً لها من عدّة أوجه : أوّلاً- لم تأثم بقتل إنسان ، ثانياً- المائة دينار التي قرّرت أن تدفعها للدكتورة بقيت عندها ، ثالثاً- حصلت على هدايا كثيرة لجنينها الّذي ولدته ، رابعاً- صارت معزّزة عند زوجها وأهله بسبب الجنين الّذي ولدته . هذا في الحاضر وللمستقبل خير كثير ، والله أعلم بالعواقب .

20 - (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ) وهنّ البديلات ، والمعنى : إذا أردت أن تعطي ابنتك زوجة لابن جارك أو لغيره وتأخذ ابنتَه لابنِك ، وهذه عادة متّبعة عند أكثر الناس فلا يُعطي ابنته أو اُخته زوجة لأحدٍ من الناس إلاّ أن يأخذ بدلها امرأة له أو لابنه ، وتسمّى هذه الطريقة "البدايل" ، (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ) من المال أي مالاً كثيراً صداقاً لهنّ ، والقنطار أربعة وأربعون كيلوغراماً (فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا ) والخطاب للأزواج ، أي لا تأخذوا من صداقهنّ شيئاً (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً ) إذا ادّعيتم أنّ المال راجع لكم (وَإِثْماً مُّبِيناً ) إذا أخذتموه خفيةً دون دراية منهنّ فيكون حكمه حكم السرقة والسارق آثم .

21 - (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ) أي تأخذون المال (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ) يعني وقد نطق الزوج بِما وهبهُ لزوجته من الصداق أمام الشهود وأفضى بهِ ، يقال أفضى إليه أسرارهُ أي كشف له عن أسرارِه ، ومن ذلك قول علقمة بن النعمان يُخاطب الحارث :

                                   وأنتَ امْرؤٌ أفضَتْ إليكَ أمانَتِي      وقبلَكَ ربَّتني فَضِعْتُ رُبوبُ

يقول الشاعر إليك كشفتُ عن أسراري ونطقتُ بِها الّتي كانت أمانة في صدري ، وقال الأعشى يكشف عن أسرار امرأة اسمها ميثاء :

                                     لِمَيْثَاءَ إذْ كانَتْ وَأهْلُكَ جِيرَةٌ      رِئاءٌ وإذْ يُفْضِي إليكَ رَسُولُها

وقال الآخر :
                                            أفضَى إليكَ بِسرّهِ قَلَمٌ      لو كانَ يَعْقِلُهُ بَكَى قَلَمُهْ

ويؤيّد هذا قوله تعالى (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) على الصُداق والمال الّذي أعطيتُموهُ لهنّ ، وهو الصكّ الّذي كُتِبَ فيه الصُداق . وهذا حكم الزوجة المدخول بِها .

22 - وكانوا يُحلّلون نكاح زوجة الأب بعد موته فنهى الله المسلمين عن ذلك فقال تعالى (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) يعني إلاّ ما مضى في زمن الجاهليّة فلا يعاقب عليه من أسلم وترك تلك العادة (إِنَّهُ) أي نكاح زوجة الأب (كَانَ فَاحِشَةً ) أي زِناً (وَمَقْتًا) أي ممقوتاً عند الله (وَسَاء سَبِيلاً ) أي ساء طريقاً .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم