كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
191 - ثمّ قال تعالى (أَيُشْرِكُونَ) معه (مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ) من المادّة ، والمعنى : أيشركون معه الأرواح التي لم تخلق شيئاً من المخلوقات الموجودة على الأرض بل كلّ ما في الوجود هو من مخلوقات الله وصُنعه (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) يعني وهم مخلوقون ، والمعنى : أيشركون معه ملوكهم ورؤساءهم الأموات فصنعوا لهم تماثيل وعبدوها من دون الله . وإنّما قال تعالى (وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) على صيغة المضارع يعني رؤساءهم الأموات يُخلَقون يوم القيامة لأنّ الله تعالى يخلق لهم جلوداً أثيرية ويلقيهم في النار ، وذلك قوله تعالى في سورة النساء {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } .
192 - (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ ) يعني ملوكهم الأموات لا يستطيعون للمشركين (نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) فينجون من العذاب .
193 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ ) يعني تدعوا المشركين من أهل مكّة (إِلَى الْهُدَى ) الّذي أنتم عليه (لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ) إليه لإصرارهم على الكفر وعنادهم (سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ ) ونظيرها في سورة البقرة قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
194 - كان بعض المشركين يصنعون تماثيل لملوكهم وؤسائهم فيقدّسونها ، وبعد مرور الأجيال يعبدها أولادهم إذ يزداد التقديس والتعظيم لها فتصبح عبادة ، كما هيَ الحالة عند المسيحيّين إذ أصبحوا يعبدون المسيح واُمّهُ ، وكذلك بعض فِرق الإسلام أصبحوا يعبدون المشايخ والأئمّة من دون الله . فنزلت فيهم هذه الآية (إِنَّ الّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) يعني تدعونهم لدفع الضرّ عنكم أو لجلب نفعٍ إليكم ، هم (عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) ولا فرق بينكم وبينهم في الخِلقة فهم غير قادرين على نفعكم بشيء ولا دفع الضرّ عنكم لأنّهم أرواح أثيريّة (فَادْعُوهُمْ) امتحاناً إلى شيء من ذلك (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في دعواكم بأنّهم ينفعونكم ويضرّون . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ سبب عجزهم عن مُساعدةِ من يدعوهم ويستنجد بهم فقال :
195 - (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ) على الأرض كي يأتوا لمساعدتِكم ؟ كلّا أرجلهم أثيريّة لا تمشي على الأرض لأنّها مُصطفّة اليُمنى باليُسرى . وذلك قوله تعالى في سورة القيامة {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } ، (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ ) ماديّة من لحم وعظام مثلكم ( يَبْطِشُونَ بِهَا ) أعداءكم ؟ كلّا فإنّ أيديهم أثيريّة لا يقدرون على شيء من المادّة ولا حمل شيء منها ولو كانت ريشة طائر ، (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ) ؟ كلّا ليس لهم أعين ماديّة تقاوم أشعّة الشمس وحرارتها بل لهم أبصار تضجر من الشمس وأشعّتها (أَمْ لَهُمْ آذَانٌ ) ماديّة (يَسْمَعُونَ بِهَا ) ؟ كلّا ليس لهم آذان ماديّة تقاوم الأصوات العالية والضوضاء ، بل لهم أسماع أثيريّة لا تقاوم الضوضاء وتضجر منها
(قُلِ) يا محمّد (ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ) ليساعدوكم على قتالي (ثُمَّ كِيدُونِ ) بما دبّرتم ضدّي من مكيدة (فَلاَ تُنظِرُونِ ) أي فلا تنتظرون إلى وقتٍ آخر إن أمكنكم ذلك . والمعنى : إنّ الله يُساعدني وينصرني عليكم فلا تقدرون على قتلي مهما دبّرتم ضِدّي ولو جاءت شركاؤكم معكم .
196 - فإن كنتم وَالَيتُم الموتى فَ (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ) أي القرآن (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) في اُمورهم وشؤونهم الدنيويّة والاُخرويّة.
197 - (وَالّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ) لأنّهم نفوس أثيريّة ( أرواح) ، (وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) إن أصابهم ما يكرهون .
198 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ ) يعني وإن تدعوا المشركين (إِلَى الْهُدَى ) الّذي أنتم عليه (لاَ يَسْمَعُواْ ) دُعاءكم لشدّةِ عنادهم (وَتَرَاهُمْ) يا محمّد (يَنظُرُونَ إِلَيْكَ ) بأعينهم (وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) أي ليس لهم بصيرة فيفكّروا فيما تقول لهم ويعقلوا .
199 - (خُذِ) يا محمّد طريق (الْعَفْوَ) مع الناس ، يعني اُعفُ عمّن أساء إليك (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) العُرف بضمّ العين هو فعل الخير والإحسان إلى الناس ، ومن ذلك قول الحُطيئة :
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ لا يَذْهَبُ العُرْفُ بينَ اللهِ والناسِ
فقول الشاعر " لا يَذْهَبُ العُرْفُ " يعني لا يذهب جزاء الإحسان ، وقد فسّرها الشاعر في الشطر الأوّل من البيت وهو قوله " مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ " ، وقال الفرزدق ينعَى عبد العزيز :
إنَّ الأرامِلَ والأيْتامَ قَدْ يَئِسُوا وطالِبِي العُرْفِ إذْ لاقاهُمُ الْخَبَرُ
فقول الشاعر " وطالِبِي العُرْفِ " يعني طالبي الإحسان يئسوا من إحسانهِ لأنّهُ مات . وقال حاتم الطائي :
تَغَيَّرْتُ إنِّي غَيْرُ آتٍ لِرِيبَةٍ ولا قائِلٌ يَوْماً لِذِي العُرْفِ مُنْكَرَا
وقال حسّان :
أَبَى فِعْلُنَا الْمَعْروفُ أنْ نَنْطِقَ الخَنَا وَقَائِلُنَا بِالعُرْفِ إلا تَكَلُّمَا
وقالت الخنساء :
فَرُبّ عُرفٍ كُنتَ أَسدَيتَهُ إِلى عِيالٍ وَيَتامَى صِغارْ
ومعنى الآية : اُأمر الناسَ بالإحسان بعضهم لبعض كي يوسّع الله لهم الرزق ولا يكونوا بُخلاء فيقتّر الله عليهم معيشتهم (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .
200 - لَمّا أمرهُ الله سُبحانهُ أن يأخذ فيهم طريق العفو عن إساءتهم وأن يُعرِض عن سُفهائهم أمَرهُ بعدها بالصبر والتجلّد وأن لا يثير غضبهُ الشيطان ، فقال تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ) "النزغ" أن تغري القوم بكلمات فتحمل بعضهم على بعض وتُلقي العداوة بينهم ، والمعنى : إذا وسوَسَ لك الشيطان وأثارَ غضبك عليهم (فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ) من الشيطان ولا تغضب (إِنَّهُ سَمِيعٌ ) لدُعائك (عَلِيمٌ) بما يُصيبك .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |