كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
21 - نزلت هذه الآيات في عمرو بن العاص وأصحابه لَمّا ذهبوا إلى الحبشة في طلب المؤمنين (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ ) يعني إذا أنعمنا عليهم بالخصب بعد الجدب وبالرخاءِ بعد الشِّدّة وبالصحّة بعد المرض فبدل أن يشكروا الله على تلك النِّعم ويؤمنوا بآياتنا (إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) يعني فإذا هم قد أعدّوا مكراً لإبطال آياتنا . وذلك ما أعدّه عمرو بن العاص للسَفر إلى الحبشة والهدايا الّتي أخذوها معهم إلى ملِك الحبشة (قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) من مكركم ، وذلك بأن يهدي ملِك الحبشة ويُلقي العطف في قلبه على المؤمنين فيتحنّن عليهم ولا يُصيبهم مكروه (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) فنعاقبكم عليه في الآخرة .
22 - قل يا محمّد لكفّار قريش (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) فلماذا تعبدون غيره ؟ (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ ) لَمّا سافرتم إلى الحبشة في طلب المؤمنين وكادت سفينتكم تغرق وقاربتم على الهلاك لولا أن دعوتم الله فدفعَ الخطر عنكم ، أهكذا يكون شكر إنعامنا عليكم إنكاركم لآياتنا وبغيكم على المؤمنين من عبادنا ؟
ثمّ أخذَ سُبحانهُ في إتمام القصّة مخاطباً رسوله فقال (وَجَرَيْنَ بِهِم ) تلك الفلك (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) أي ليّنة (وَفَرِحُواْ بِهَا ) أي بتلك الريح (جَاءتْهَا) أي لحقتها (رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ) أي أحاطت بهم أسباب الغرق والهلاك ، حينئذٍ (دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ولم يذكروا أصنامهم في تلك الشِدّة ، قائلين (لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ ) الشدّة (لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لنَعمائك .
القصّة:
سافر جماعة من قُريش وعلى رأسهم عمرو بن العاص إلى الحبشة في طلب المؤمنين الّذينَ هاجروا إليها ، وكان سفرهم بحراً ، فلمّا توسّطوا الطريق هاجت ريح شديدة عاصفة وكادوا يغرقون فأخذوا يدعون ويتضرّعون إلى الله قائلين : "لئن أنجيتنا من هذه الشِدّة نشكرْ نَعماءك علينا ونترك المسلمين ولا نتعرّضْ لهم بأذَى" . فسكنت الريح ونجَوا من الغرق ، ولَمّا وصلوا إلى الحبشة قدّموا هدايا إلى ملِك الحبشة وقال عمرو بن العاص : "أيّها الملك إنّ قوماً خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا وصاروا إليك فردّهم إلينا ."
فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه فقال : "أيّها الملِك سَلْهم أنحن عبيد لهم؟" فقال عمرو : "لا بل أحرار" ، قال : "فسَلْهم ألَهُمْ علينا ديون يطالبوننا بِها؟" قال : "لا ما لنا عليكم ديون" ، قال: "فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بِها؟" قال عمرو: "لا" ، قال : "فما تريدون منّا؟ آذَيتمونا فخرجنا من دياركم ." ثمّ قال : "أيّها الملك بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلعِ الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي" . فقال النجاشي: "بهذا بعث الله عيسى" ، ثمّ قال لجعفر : "هل تحفظ مِمّا أنزل الله على نبيّك شيئاً؟" قال : "نعم" ، فقرأ سورة مريم فلمّا بلغ إلى قوله تعالى {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } ، قال : "هذا والله هو الحقّ" . فقال عمرو : "إنّه يخالف ديننا فردّه إلينا" ، فرفع النجاشي يده فضرب بِها وجه عمرو وقال : "اسكُتْ والله لئن ذكرتهُ بعدُ بسوء لأفعلنّ بك" ، وقال لحاشيته : "أرجِعوا إلى هذا هديّته" ، وقال لجعفر وأصحابه : "اُمكثوا فإنّكم سيوم" والسيوم الآمنون ، وأمر لهم بِما يصلحهم من الرزق ، فانصرف عمرو ومن معه خائبين ، وأقام المسلمون هناك بخير .
23 - (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ ) من تلك الشِدّة (إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي في أرض الحبشة مُنكرين على المؤمنين إيمانهم ومطالبين النجاشي بإرجاعهم بدون حقٍّ لهم على المؤمنين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) والخطاب لكفّار قريش ومن ذهبَ إلى الحبشة في طلب المؤمنين (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) لأنّكم رجعتم خائبين مطرودين ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا (مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قليل بالنسبةِ للآخرة (ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) في دار الدنيا من أعمال سيئة .
24 - ثمّ ضربَ الله مثَلاً في هذهِ الآية في قُصرِ بقائهم في الدنيا وغرورهم بها ثمّ مصيرهم إلى العذاب فقال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وقُصرِ بقائها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) أي نمَى بهِ النبات (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ) كالحبوب والبقول والأثمار (وَ) مِمّا تأكل (الأَنْعَامُ) كالحشائش والقتّ والبرسيم وغير ذلك (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا ) بخُضرة النبات وألوان الزهور (وَازَّيَّنَتْ) بكثرة النبات والأثمار (وَظَنَّ أَهْلُهَا ) أي مالِكوها (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ) أي قادرون على حصاد غِلّتها والانتفاع بها (أَتَاهَا أَمْرُنَا ) بإتلاف غِلّتها (لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ) يعني لم يبقَ فيها أثمار كأنّها حُصِدَتْ (كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) يعني كأنّها لم تكن غنيّة بالحبوب والأثمار بالأمس (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في الاُمور فيعرفوا الحقائق . ونظير هذه الآية في سورة الكهف قوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا .}
25 - (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ) والمعنى : إنّ الدنيا دار شدائد ومصائب وأمراض ، والآخرة دار راحةٍ وهناء ودار سلامة من الأمراض والمصائب فإنّ الله يدعوكم إلى دار السلام لترتاحوا فيها وتهنأوا بعيشها ونعيمها (وَيَهْدِي مَن يَشَاء ) أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ طريق التوحيد الدائم الّذي لا يزول .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |