كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يونس من الآية( 21) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

21 - نزلت هذه الآيات في عمرو بن العاص وأصحابه لَمّا ذهبوا إلى الحبشة في طلب المؤمنين (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ ) يعني إذا أنعمنا عليهم بالخصب بعد الجدب وبالرخاءِ بعد الشِّدّة وبالصحّة بعد المرض فبدل أن يشكروا الله على تلك النِّعم ويؤمنوا بآياتنا (إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) يعني فإذا هم قد أعدّوا مكراً لإبطال آياتنا . وذلك ما أعدّه عمرو بن العاص للسَفر إلى الحبشة والهدايا الّتي أخذوها معهم إلى ملِك الحبشة (قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) من مكركم ، وذلك بأن يهدي ملِك الحبشة ويُلقي العطف في قلبه على المؤمنين فيتحنّن عليهم ولا يُصيبهم مكروه (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) فنعاقبكم عليه في الآخرة .

22 - قل يا محمّد لكفّار قريش (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) فلماذا تعبدون غيره ؟ (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ ) لَمّا سافرتم إلى الحبشة في طلب المؤمنين وكادت سفينتكم تغرق وقاربتم على الهلاك لولا أن دعوتم الله فدفعَ الخطر عنكم ، أهكذا يكون شكر إنعامنا عليكم إنكاركم لآياتنا وبغيكم على المؤمنين من عبادنا ؟ ثمّ أخذَ سُبحانهُ في إتمام القصّة مخاطباً رسوله فقال (وَجَرَيْنَ بِهِم ) تلك الفلك (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) أي ليّنة (وَفَرِحُواْ بِهَا ) أي بتلك الريح (جَاءتْهَا) أي لحقتها (رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ) أي أحاطت بهم أسباب الغرق والهلاك ، حينئذٍ (دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ولم يذكروا أصنامهم في تلك الشِدّة ، قائلين (لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ ) الشدّة (لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) لنَعمائك .

القصّة: سافر جماعة من قُريش وعلى رأسهم عمرو بن العاص إلى الحبشة في طلب المؤمنين الّذينَ هاجروا إليها ، وكان سفرهم بحراً ، فلمّا توسّطوا الطريق هاجت ريح شديدة عاصفة وكادوا يغرقون فأخذوا يدعون ويتضرّعون إلى الله قائلين : "لئن أنجيتنا من هذه الشِدّة نشكرْ نَعماءك علينا ونترك المسلمين ولا نتعرّضْ لهم بأذَى" . فسكنت الريح ونجَوا من الغرق ، ولَمّا وصلوا إلى الحبشة قدّموا هدايا إلى ملِك الحبشة وقال عمرو بن العاص : "أيّها الملك إنّ قوماً خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا وصاروا إليك فردّهم إلينا ."

فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه فقال : "أيّها الملِك سَلْهم أنحن عبيد لهم؟" فقال عمرو : "لا بل أحرار" ، قال : "فسَلْهم ألَهُمْ علينا ديون يطالبوننا بِها؟" قال : "لا ما لنا عليكم ديون" ، قال: "فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بِها؟" قال عمرو: "لا" ، قال : "فما تريدون منّا؟ آذَيتمونا فخرجنا من دياركم ." ثمّ قال : "أيّها الملك بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلعِ الأنداد وترك الاستقسام بالأزلام وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي" . فقال النجاشي: "بهذا بعث الله عيسى" ، ثمّ قال لجعفر : "هل تحفظ مِمّا أنزل الله على نبيّك شيئاً؟" قال : "نعم" ، فقرأ سورة مريم فلمّا بلغ إلى قوله تعالى {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } ، قال : "هذا والله هو الحقّ" . فقال عمرو : "إنّه يخالف ديننا فردّه إلينا" ، فرفع النجاشي يده فضرب بِها وجه عمرو وقال : "اسكُتْ والله لئن ذكرتهُ بعدُ بسوء لأفعلنّ بك" ، وقال لحاشيته : "أرجِعوا إلى هذا هديّته" ، وقال لجعفر وأصحابه : "اُمكثوا فإنّكم سيوم" والسيوم الآمنون ، وأمر لهم بِما يصلحهم من الرزق ، فانصرف عمرو ومن معه خائبين ، وأقام المسلمون هناك بخير .

23 - (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ ) من تلك الشِدّة (إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي في أرض الحبشة مُنكرين على المؤمنين إيمانهم ومطالبين النجاشي بإرجاعهم بدون حقٍّ لهم على المؤمنين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) والخطاب لكفّار قريش ومن ذهبَ إلى الحبشة في طلب المؤمنين (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) لأنّكم رجعتم خائبين مطرودين ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا (مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قليل بالنسبةِ للآخرة (ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) في دار الدنيا من أعمال سيئة .

24 - ثمّ ضربَ الله مثَلاً في هذهِ الآية في قُصرِ بقائهم في الدنيا وغرورهم بها ثمّ مصيرهم إلى العذاب فقال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وقُصرِ بقائها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) أي نمَى بهِ النبات (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ) كالحبوب والبقول والأثمار (وَ) مِمّا تأكل (الأَنْعَامُ) كالحشائش والقتّ والبرسيم وغير ذلك (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا ) بخُضرة النبات وألوان الزهور (وَازَّيَّنَتْ) بكثرة النبات والأثمار (وَظَنَّ أَهْلُهَا ) أي مالِكوها (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ) أي قادرون على حصاد غِلّتها والانتفاع بها (أَتَاهَا أَمْرُنَا ) بإتلاف غِلّتها (لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ) يعني لم يبقَ فيها أثمار كأنّها حُصِدَتْ (كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) يعني كأنّها لم تكن غنيّة بالحبوب والأثمار بالأمس (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في الاُمور فيعرفوا الحقائق . ونظير هذه الآية في سورة الكهف قوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا .}

25 - (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ) والمعنى : إنّ الدنيا دار شدائد ومصائب وأمراض ، والآخرة دار راحةٍ وهناء ودار سلامة من الأمراض والمصائب فإنّ الله يدعوكم إلى دار السلام لترتاحوا فيها وتهنأوا بعيشها ونعيمها (وَيَهْدِي مَن يَشَاء ) أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ طريق التوحيد الدائم الّذي لا يزول .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم