كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
215 - نزلت هذه الآية في عمرو بن الجموح وكان شيخاً كبيراً ذا مال كثير فقال يا رسول الله بماذا أتصدّق وعلى من أتصدّق ؟ فنزلت (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) أي من مالٍ (فَلِلْوَالِدَيْنِ) وهم الأب والاُم والجدّ والجدّة (وَالأَقْرَبِينَ) أي الفقراء من أقربائك (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) يعني الفقراء عامّةً (وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي المسافر المنقطع بهِ ، وهذه زكاة تطوّع غير الواجبة (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه .
216 - (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) أي شاقّ عليكم تكرهونه كراهةَ طِباع (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ومعناه وقد تكرهون شيئاً في الحال وهو خيرٌ لكم في المستقبل ، كما تكرهون القتال وهو خيرٌ لكم ، لأنّ في الجهاد لكم إحدى الحُسنيَين إمّا الظفَر والغنيمة وإمّا الشهادة والجنّة (وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) أي وقد تحبّون ما هو شرّ لكم وهو القعود عن الجهاد وهو شرّ لِما فيهِ من الذلّ والفقر في الدُنيا وحرمان الغنيمة والأجر في العُقبى (وَاللّهُ يَعْلَمُ ) ما فيه مصالحكم ومنافعكم (وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) عواقب الاُمور ، فبادِروا إلى ما يأمركم به الله وإن يشقّ عليكم .
217 - بعث رسول الله سريّة من المسلمين وأمّرَ عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وهو إبن عمّة النبيّ وذلك قبل قتال بدر بشهرين ، فانطلقوا حتّى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش ، وذلك في أوّل يوم من رجب ، وكانوا يرَونه من جماد ، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم هذه غرّةٌ من عدوّ وغُنمٌ رُزِقتموهُ ولا ندري أمِن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا ، وقال قائل منهم لا نعلم هذا اليوم إلاّ من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلّوهُ لطمعٍ أشفيتم عليه ، فغلب الأمر الّذينَ يُريدون عرَضَ الحياة الدُنيا فشدّوا على ابن الحضرميّ فقتلوه وغنموا عيرهُ ، فبلغ ذلك كفّار قريش فركبَ وفدٌ منهم حتّى قدموا على النبيّ فقالوا أيحلُّ القتال في الشهر الحرام ؟
فأنزل جبرائيل هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ) يا محمّد (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) يريد به شهر رجب (قِتَالٍ فِيهِ ) أي هل يباح القتال فيه (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) أي القتال فيه إثمٌ عظيم وذنبٌ كبير (وَ) لكن (صَدٌّ) منكم أيّها المشركون (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام ، لأنّ المشركين يصدّون الناس عن دين الإسلام ولا يتركونهم ليؤمنوا (وَكُفْرٌ) منكم (بِهِ) أي بدين الإسلام (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وكفرٌ منكم بالمسجد الحرام ، لأنّهم وضعوا الأصنام فوق الكعبة وكانوا يعبدونها (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ) يعني أهل المسجد وهم النبيّ والمسلمون (مِنْهُ) أي من المسجد ، يعني إخراج المسلمين من مكّة حين هاجروا إلى المدينة (أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ ) والمعنى : أفعالكم هذه وكفركم بالقرآن وبالمسجد الحرام أعظم عند الله من قتل رجل مشرك في الشهر الحرام (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أي وإنّ إفتانكم الناس بالكفر وصدّهم عن دين الإسلام أعظمُ وِزراً عند الله من قتل رجل مُشرك .
ثمّ أخبرَ سُبحانهُ عن عناد هؤلاء الكفّار وتعنّتهم فقال (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني أهل مكة والخطاب للمسلمين (حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) أي إنْ قدروا على ذلك ، وقد ارتدّ فريقٌ من المسلمين بعد وفاة النبيّ (ع) فقاتلهم أبو بكر فرجع قِسم منهم إلى دين الإسلام ثانية (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) يعني إن مات على كفرِه ولم يرجع إلى دين الإسلام (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُنيا وَالآخِرَةِ ) أي ذهبت أعمالهم التي عملوها وقت إسلامهم أدراج الرياح ، أي خسروا نتائج أعمالهم ، أمّا في الدُنيا فإنّهم أبدلوا حُسن الذِكر والشرف الّذي نالهم في الإسلام بسوء الذِكر والعار الذي نالهم عند ارتدادهم عن الإسلام ، أمّا في الآخرة فقد خسروا الجنّة وأبدلوا مرضاة الله بغضبهِ ، وأبدلوا حسن الذكر بالعار (وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي دائمون في النار .
218 - نزلت هذه الآية في قصّة عبد الله بن جحش وأصحابه لَمّا قتلوا إبن الحضرمي في أوّل يوم من شهر رجب ، فظنّ قومٌ أنّهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجرٌ ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) من أهل المدينة (وَالّذينَ هَاجَرُواْ ) من مكّة إلى المدينة (وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ ) في الآخرة بدخول الجنّة (وَاللّهُ غَفُورٌ ) لهم يغفرُ ما مضى من ذنوبهم (رَّحِيمٌ) بهم وبالمؤمنين .
219 - جاء نفر من الصحابة فقالوا يا رسول الله أفتِنا في الخمر والميسر هل يُباحان؟ فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ) وهو كلّ شراب مُسكر (وَالْمَيْسِرِ) وهو القمار (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) أي ذنبٌ عظيم ، فبسببهما تكون أكثر المعاصي وتنتج أكثر الجرائم (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) منفعة الخمر للبايع والصانع وفي الطب كمعقّم ، ومنفعة القمار لبائع السلعة الّتي يلعبون بها وصانعها والرابح الذي يأخذ مال صاحبهِ من غير تعب (وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) أي ما فيهما من الإثم أعظم مِمّا فيهما من النفع ، لأنّ النفع خاصّ لبعض الناس ولكنّ الضرر لكثير منهم ، وإنّ الشارب والمقامر يقترفان بواسطتهما الآثام من وجوه كثيرة (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ) من أموالهم (قُلِ الْعَفْوَ ) "العفو" معناه ترك البدل ، ومن ذلك قول زُهير بن أبي سلمى يمدح رجلاً :
هْوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيْكَ نَائِلَهُ عَفْواً وَيُظْلَمُ أَحْيَانَاً فَيَظْطَلِمُ
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ
وقال الفرزدق يمدح رجلاً :
وتُعْطِي العُرْفَ عفواً سائليهِ وتُرْوِي الزَّاعِبِيَّةَ في الطّعانِ
وقال جرير يهجو بني تيم :
ولو تَسْتَعِفُّ التّيمُ أو تُحسِنُ القِرى ولكنَّ تَيْماً لا تَعِفُّ ولا تَقْرِي
يعني لا تُعطي من مالها بدون بدل ولا تُقري الضيف .
ومعنى الآية يقول الله تعالى إذا أنفقتم فأنفقوا في سبيل الله ولا تطلبوا بهِ بدلاً ولا أجراً من الناس ، فإنّ الله يأجركم عليه . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الإنسان حاكياً عن المؤمنين قولهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا }
والإنفاق غير الزكاة الواجبة ، لأنّ الزكاة خاصّة للفقراء ، أمّا الإنفاق فيصرف في الجهاد ولبناء المساجد والمستشفيات الخيرية ودور الضيافة وغير ذلك . وهذا الإنفاق خاصّ بالأغنياء دون الفقراء ، والشرط الوحيد في ذلك أن تجعل إنفاقكَ في سبيل الله لا تُشرك بهِ أحداً من المشايخ والأئمّة والأنبياء ، فإن جعلت إنفاقك في سبيل أحد من المخلوقين أو أشركتهُ مع الله في الإنفاق فلا يُقبل منك إنفاقك ولا تؤجَر عليه . ومثال ذلك ما ينفقه بعض الناس فيبني مسجداً ويكتب على باب المسجد (مسجد وحسينيّة) فيشرك الحسين مع الله في المسجد ، فهذا عمل لا يرضاه الله ولا يتقبّلهُ ولا يأجر صاحبه عليه . (كَذَلِكَ) أي مِثل هذا البيان (يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) في المستقبل (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) في مصالح دينكم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |