كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
223 - (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) أي مزدرعٌ لكم ومحترَث تزرعون فيهنّ البنين والبنات (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أي كيف شئتم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة المائدة {انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثمّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ، أي كيف يؤفكون . ومن ذلك قول حسّان بن ثابت:
فوقفتُ بالبيداءِ أسألُها أنَّى اهْتَدَيْتِ لِمنزلِ السَّفْرِ
يعني كيف اهتديتِ ، وقال عبيد بن الأبرص :
تَصْبُو وَأَنَّى لَكَ التَّصَابِي أَنَّى وَقَدْ رَاعَكَ المشِيبُ
والمعنى : فاأتوا نساءكم كيف شئتم نياماً أو جلوساً أو غير ذلك ، لأنّ اليهود قالوا إذا جامع الرجل زوجته من الخلف في فرجها جاء الولد أحول ، فنزلت هذه الآية تكذيباً لهم (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ) من الأعمال الصالحة (وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في مخالفة أوامره (وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ ) بعد موتكم ، ضمير الهاء في قوله (مُّلاَقُوهُ) يعود لقوله (وَقَدِّمُواْ) يعني واعلموا أنّكم ملاقون ما قدّمتم لأنفسكم من خيرات . ومثلها قوله تعالى في السورة نفسها { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ } ، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) بدخول الجنة .
224 - حلفَ عبد الله بن روّاحة أن لا يدخل على ختنهِ ولا يبرّهُ بشيء ولا يصلح بينه وبين امرأتهِ ، فكان يقول إنّي حلفتُ بهذا فلا يحلّ لي أن أفعلهُ بعد اليمين ، فنزلت هذه الآية (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ) أي لا تجعلوا اليمين بالله سبباً لترك الخيرات عن الناس وقطع البِرّ عنهم (أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ ) والمعنى : لا تحلفوا بالله على ترك البِرّ وترك صِلة الرحم وترك الإصلاح بين الناس (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم .
225 - (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ) "اللّغو" هو الكلام الذي لا فائدة فيه ، و"الأيمان" جمع يمين وهو الحِلف بالله ، والمعنى : لا يؤاخذكم الله بالحنث على أيمانكم التي لا فائدة فيها ، وذلك مثل أن يحلف الإنسان أنّه لا يُعطي فقيراً شيئاً بعد يومه ، ثمّ يحنث عن يمينهِ ويُعطي صدقة للفقراء ، فهذا لا يؤاخذه الله في حنثهِ على ذلك ، أو يحلف أنّه لا يُصلح بين الناس بعد يومه ، ثمّ يحنث ويُصلح بين المتخاصمين ، فإنّ الله تعالى لا يؤاخذه على ذلك ، وهكذا كلّ يمين يقسم الإنسان عليه أن لا يعمله وهو من أعمال الخير فهو لغوٌ . وكذلك إذا حلف يميناً على شيء وهو يرى نفسه صادقاً ثمّ تبيّن له أنّ الأمر عكس ذلك ولكن لم يكن يعلم فلا يؤاخذه الله عليه ، ولكن يجب عليه أن يُخبر من حلف له بأنّه قد أخطأ بيمينه والصحيح هو كذا وكذا ، ثمّ يستغفر ربّهُ على ما صدرَ منهُ من اليمين قبل أن يتأكّد من الخبر أو الحادث الّذي أخبرَ بهِ (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) من المكر والخديعة مع من تعاقدتم معه على بيع أو شراء أو شراكة وحلفتم على ذلك يميناً ثمّ حنثتم اليمين وخنتم العهد فإنّ الله تعالى يؤاخذكم عليه ويلزمكم كفّارته .(وَاللّهُ غَفُورٌ ) لمن تاب وأعطى الكفّارة (حَلِيمٌ) يُمهل عبيده ليتوبوا .
226 - (لِّلَّذِينَ) تقديرهُ الحُكم للّذينَ ، والخطاب موجّه للنبيّ ثمّ للقضاة (يُؤْلُونَ) على أنفسهم تضجّراً (مِن نِّسَآئِهِمْ ) يعني الّذي يقول آليتُ على نفسي أن لا اُرجعَ زوجتي إلى الأبد ، أو يقول عاهدتُ نفسي أن لا اُرجع زوجتي إلى بيتي بل تبقى عند أهلها إلى الأبد ، أو يجعل لها وقتاً فيقول إلى سبع سنين أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، ولو حلف اليمين على ذلك فإنّ يمينهُ تُعدّ لغواً لا يُبنى عليها إلاّ إذا حلف على مُدّة أقلّ من أربعة أشهر فحينئذٍ يجب الوفاء بهِ ولا يحنث . فهؤلاء حُكمهم مع نسائهم أن تتربّص الزوجة بنفسها أربعة أشهر ، أي تنتظرهُ زوجته عند أهلها أربعة أشهر ، وذلك قوله تعالى (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) ، فالتربّص هو الانتظار ، ومن ذلك قول الشاعر :
تَرَبّصْ بِها رَيبَ المَنُونِ لعلّها تُطَلَّقُ يوماً أو يموتُ حليلُها
وبعد هذه المدّة يجب على الزوج أن يعيدها إلى بيته ويُصالحها ، وذلك قوله تعالى (فَإِنْ فَآؤُوا ) أي فإن رجعوا عن قولهم وتنازلوا عن إصرارهم ورجعوا بزوجاتهم (فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) لهم (رَّحِيمٌ) بزوجاتهم ، أمّا إذا أصرّ الزوج على الفراق ولم يرجع عن قوله فللزوجة حقٌّ أن تطالب بالطلاق ، وعلى القاضي أن يُرغم الزوج بالطلاق إن لم يوافق بالطلاقِ ، وهذا معنى قوله تعالى :
227 - (وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .
أمّا حكم المسجون الّذي حُكِمَ عليه لمدّة أربع سنين فما فوق فيجب عليه أن يطلّق زوجته إن كانت فتاة ولم تكن عجوزاً ، وذلك إن وافقت هيَ بالطلاق ، فإذا لم يطلّقها وأرادت الزوجة الطلاق فعلى القاضي أن يطلّقها جَبراً ، فإذا خرج من السجن بعد انتهاء المدّة فوجد مطلّقته لم تتزوّج بغيره وكانت التطليقة الأولى أو الثانية يمكنه أن يتزوّجها من جديد . أمّا الّذي طلّق زوجته مرّتين ثمّ استرجعها قبل أن يُسجَن فإنّ اختيار الطلاق الثالث يكون بيد الزوجة فإن شاءت الطلاق طلّقها وإن شاءت البقاء تحت نكاحه حتّى يخرج من السجن ، وفي كلتا الحالتين فإنّ اختيار الطلاق يكون بيد الزوجة للمسجون أربع سنين أو أكثر .
أمّا الغائب الّذي لا يُعرف عنه شيء هل مات أم هو حيٌّ يُرزق ، وذلك كالّذي يذهب للحرب ولا يعود ولا يُعرَف عنه شيء ، أو الّذي يكون أسيراً بيد الأعداء ولم يُعرَف عنه شيء ، أو غير ذلك مِمّن يغيب عن أهله ولا يعود ، فهؤلاء عِدّتهم أربع سنين أيضاً ، فإذا انقضت المدّة ولم يأتِ الزوج فللزوجة حقّ أن تطالب بالطلاق وذلك عند القاضي ، فيقوم بالطلاق أبو الزوج أو جدّه أو عمّه أو شريكه إن لم يكن له أب ولا جدّ في قيد الحياة ، أو يقوم وكيله أو وصيّه أو من يرثه من الرجال . فعلى القاضي أن يجعل أحد أقرباء الزوج المفقود وكيلاً عنه ووصيّاً له كي يقوم الوكيل والقاضي بأمر الطلاق ويُطلّقان الزوجة ويكتبانِ لها ورقة الطلاق ويدفعانِها إلى الزوجة ، وذلك بعد الإثبات من الشهود والأدلّة على أنّ زوجها مفقود منذ أربع سنين ولم يُعرَف عنه شيء ولم يأتِ منه مكتوب [أي رسالة] ولا خبر . أمّا إذا عُلِمَ أنّ الزوج حيٌّ أو جاء منه مكتوب [أي رسالة] وهو ممتنع عن المجيء فعلى القاضي أن يُرسل له إنذاراً بأنّه إن لم يرجع إلى أهله لمدّة أربعين يوماً فسيُطلّق القاضي زوجته . فإن لم يرجع بعد تلك المدّة المذكورة ولم يرسل جواباً فللزوجة حقّ الطلاق . فإن رجع الزوج بعد ذلك فوجد زوجته لم تتزوّج من غيره فله حقّ في إرجاعها ، أمّا إذا وجدها متزوّجة من غيره فليس له حقّ في إرجاعها بل تبقى زوجة للثاني .
وملخّص القول فإنّ الفراق لا يجوز أن يدوم أكثر من أربع ، فالزوج الحاضر أربعة أشهر وبعد ذلك إمّا الرجعة وإمّا الطلاق . والزوج المفقود أو المسجون فأربع سنين وبعدها إمّا الرجعة وإمّا الطلاق . أمّا حُكم الميراث للزوجة المفقود زوجها ولم يُعلم عنه شيء فهي ترث زوجها من يوم غيابه ، فلها الثمن إن كان لزوجها ولد ، ولها الربع إن لم يكن لزوجها ولد ، ولا يسقط حقّها من الميراث إلاّ إذا رجع زوجها وظهر أنّهُ حيّ . أمّا طلاقها من قِبَل القاضي أو زواجها برجل غيره فلا يُسقِط حقّها من الميراث ، وذلك إن كان زوجها حيّاً فالميراث يقوم لها مقام النفقة ، وإن كان ميتاً فهي أولَى بالميراث .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |