كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يونس من الآية( 23) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

23 - (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ ) من تلك الشِدّة (إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي في أرض الحبشة مُنكرين على المؤمنين إيمانهم ومطالبين النجاشي بإرجاعهم بدون حقٍّ لهم على المؤمنين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) والخطاب لكفّار قريش ومن ذهبَ إلى الحبشة في طلب المؤمنين (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) لأنّكم رجعتم خائبين مطرودين ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا (مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قليل بالنسبةِ للآخرة (ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) في دار الدنيا من أعمال سيئة .

24 - ثمّ ضربَ الله مثَلاً في هذهِ الآية في قُصرِ بقائهم في الدنيا وغرورهم بها ثمّ مصيرهم إلى العذاب فقال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وقُصرِ بقائها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) أي نمَى بهِ النبات (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ) كالحبوب والبقول والأثمار (وَ) مِمّا تأكل (الأَنْعَامُ) كالحشائش والقتّ والبرسيم وغير ذلك (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا ) بخُضرة النبات وألوان الزهور (وَازَّيَّنَتْ) بكثرة النبات والأثمار (وَظَنَّ أَهْلُهَا ) أي مالِكوها (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ) أي قادرون على حصاد غِلّتها والانتفاع بها (أَتَاهَا أَمْرُنَا ) بإتلاف غِلّتها (لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ) يعني لم يبقَ فيها أثمار كأنّها حُصِدَتْ (كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) يعني كأنّها لم تكن غنيّة بالحبوب والأثمار بالأمس (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في الاُمور فيعرفوا الحقائق . ونظير هذه الآية في سورة الكهف قوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا .}

25 - (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ) والمعنى : إنّ الدنيا دار شدائد ومصائب وأمراض ، والآخرة دار راحةٍ وهناء ودار سلامة من الأمراض والمصائب فإنّ الله يدعوكم إلى دار السلام لترتاحوا فيها وتهنأوا بعيشها ونعيمها (وَيَهْدِي مَن يَشَاء ) أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ طريق التوحيد الدائم الّذي لا يزول .

26 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما لهؤلاء المؤمنين في دار السلام فقال (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ) إلى الفقراء والأيتام والمحتاجين (الْحُسْنَى) في الآخرة ، أي لهم معيشة حُسنى (وَزِيَادَةٌ) من الله على ما يستحقّونهُ من الأجر جزاءً على إحسانهم (وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ) كما يرهق وجوه أهل النار ، "فالرهَق" هو التكليف بما يشقّ على الإنسان ، و"القتَر" هو تقتير العيش ، ومن ذلك قول كعب بن زُهير يصف رجلاً :

                             كَسُوبٌ إلى أنْ شَبَّ مِنْ كَسْبِ واحِدٍ      مُحالفُهُ الإقْتارُ لا يَتَمَوَّلُ

والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طا ها {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ، والمعنى : لا يصيبهم أمرٌ يشقّ عليهم ولا تقتير من العيش تظهر علائمهُ في وجوههم ، ومن ذلك قول أبي قيس بن رفاعة :

                                       وسَيْفِي صارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ      ويَمْنَعُنِي مِنَ الرَّهَقِ النَّبِيتُ

أي يمنعني من التكليف التعب (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

27 - (وَالّذينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ ) في الدنيا (جَزَاءُ) كلّ (سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) في الآخرة (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) بين النفوس ، يعني والشيء الّذي يكلّفهم ويصعب عليهم هو الذِّلّة بين النفوس ، فالرهق هو التكليف والمشقّة ، ومن ذلك قولُ الأعشى :

                            لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي منْ دُونِ رُؤيتِها      هلْ يَشْتَفِي وامِقٌ ما لَمْ يُصِبْ رَهَقَا

الوامق هو المحِبّ ، والمعنى : هل يشفي قلبَ المحِبّ ويحصل على محبوبتهِ بدون مشقّات . (مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) أي ما لهم مَلَكٌ حافِظٌ من الله يحفظهم من الشياطين كما للمؤمنين حَفَظَة (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللّيل مُظْلِمًا ) لشدّةِ سوادها (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .

28 - (وَيَوْمَ) القيامة (نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ) العابدين والمعبودين (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ ) أي لازِموا مكانكم في المحشر (أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ ) الّذينَ عبدتموهم من دون الله (فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ) أي ففرّقنا بين المعبودين ، يعني بين الأصنام والملائكة ، ومن ذلك قول الخنساء :

                               تَغْدُو عَلَيْنا فتَأبَى أنْ تُزايلَنا      للخيرِ فالخيرُ منّا رَهنُ أرماسِ

من قولهم زال يزولُ أي مالَ ، ذهبَ ، تفرّقَ (وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم ) يعني قالت الملائكة للمشركين (مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ) يعني لم نأمركم بعبادتنا ولا عِلمَ لنا بذلك .

29 - (فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) أي مراقباً ، تقديره كفَى الاستشهاد بالله شهيداً (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) فهو يعلم ويرى (إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ ) لنا (لَغَافِلِينَ) لا علم لنا بِها .

30 - (هُنَالِكَ) ، تُستعمَل كلمة "هنالِكَ" للمكان والزمان معاً ، أمّا كلمة "هُناكَ" فتُستعمَل للمكان فقط (تَبْلُو) أي تختبر (كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ) أي ما عملت سلفاً في دار الدُنيا (وَرُدُّواْ) الملائكة المعبودين (إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ ) أي رجعوا إلى مكانهم في السماوات الأثيريّة بعد سؤالهم ومُحاكمة من عبدوهم (وَضَلَّ عَنْهُم) أي ضلّ عن المشركين (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) أي ما كانوا يكذبون بقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فلم يشفعوا لهم بل تبرّؤوا منهم ، وتشمل هذه الآية كلّ من عبد الأنبياء والمشايخ والأئمّة ، فالنصارى عبدوا المسيح ، والمسلمون [اليوم] أكثرهم يعبدون قبور المشايخ والأئمّة ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما قالت قريش في الملائكة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم