كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
23 - (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ ) من تلك الشِدّة (إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أي في أرض الحبشة مُنكرين على المؤمنين إيمانهم ومطالبين النجاشي بإرجاعهم بدون حقٍّ لهم على المؤمنين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) والخطاب لكفّار قريش ومن ذهبَ إلى الحبشة في طلب المؤمنين (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) لأنّكم رجعتم خائبين مطرودين ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا (مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قليل بالنسبةِ للآخرة (ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) في دار الدنيا من أعمال سيئة .
24 - ثمّ ضربَ الله مثَلاً في هذهِ الآية في قُصرِ بقائهم في الدنيا وغرورهم بها ثمّ مصيرهم إلى العذاب فقال تعالى (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وقُصرِ بقائها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) أي نمَى بهِ النبات (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ) كالحبوب والبقول والأثمار (وَ) مِمّا تأكل (الأَنْعَامُ) كالحشائش والقتّ والبرسيم وغير ذلك (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا ) بخُضرة النبات وألوان الزهور (وَازَّيَّنَتْ) بكثرة النبات والأثمار (وَظَنَّ أَهْلُهَا ) أي مالِكوها (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ) أي قادرون على حصاد غِلّتها والانتفاع بها (أَتَاهَا أَمْرُنَا ) بإتلاف غِلّتها (لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ) يعني لم يبقَ فيها أثمار كأنّها حُصِدَتْ (كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) يعني كأنّها لم تكن غنيّة بالحبوب والأثمار بالأمس (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على التفصيل (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في الاُمور فيعرفوا الحقائق . ونظير هذه الآية في سورة الكهف قوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا .}
25 - (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ) والمعنى : إنّ الدنيا دار شدائد ومصائب وأمراض ، والآخرة دار راحةٍ وهناء ودار سلامة من الأمراض والمصائب فإنّ الله يدعوكم إلى دار السلام لترتاحوا فيها وتهنأوا بعيشها ونعيمها (وَيَهْدِي مَن يَشَاء ) أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ طريق التوحيد الدائم الّذي لا يزول .
26 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما لهؤلاء المؤمنين في دار السلام فقال (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ) إلى الفقراء والأيتام والمحتاجين (الْحُسْنَى) في الآخرة ، أي لهم معيشة حُسنى (وَزِيَادَةٌ) من الله على ما يستحقّونهُ من الأجر جزاءً على إحسانهم (وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ) كما يرهق وجوه أهل النار ، "فالرهَق" هو التكليف بما يشقّ على الإنسان ، و"القتَر" هو تقتير العيش ، ومن ذلك قول كعب بن زُهير يصف رجلاً :
كَسُوبٌ إلى أنْ شَبَّ مِنْ كَسْبِ واحِدٍ مُحالفُهُ الإقْتارُ لا يَتَمَوَّلُ
والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طا ها {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ، والمعنى : لا يصيبهم أمرٌ يشقّ عليهم ولا تقتير من العيش تظهر علائمهُ في وجوههم ، ومن ذلك قول أبي قيس بن رفاعة :
وسَيْفِي صارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ويَمْنَعُنِي مِنَ الرَّهَقِ النَّبِيتُ
أي يمنعني من التكليف التعب (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
27 - (وَالّذينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ ) في الدنيا (جَزَاءُ) كلّ (سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) في الآخرة (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) بين النفوس ، يعني والشيء الّذي يكلّفهم ويصعب عليهم هو الذِّلّة بين النفوس ، فالرهق هو التكليف والمشقّة ، ومن ذلك قولُ الأعشى :
لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي منْ دُونِ رُؤيتِها هلْ يَشْتَفِي وامِقٌ ما لَمْ يُصِبْ رَهَقَا
الوامق هو المحِبّ ، والمعنى : هل يشفي قلبَ المحِبّ ويحصل على محبوبتهِ بدون مشقّات . (مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) أي ما لهم مَلَكٌ حافِظٌ من الله يحفظهم من الشياطين كما للمؤمنين حَفَظَة (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللّيل مُظْلِمًا ) لشدّةِ سوادها (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .
28 - (وَيَوْمَ) القيامة (نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ) العابدين والمعبودين (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ ) أي لازِموا مكانكم في المحشر (أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ ) الّذينَ عبدتموهم من دون الله (فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ) أي ففرّقنا بين المعبودين ، يعني بين الأصنام والملائكة ، ومن ذلك قول الخنساء :
تَغْدُو عَلَيْنا فتَأبَى أنْ تُزايلَنا للخيرِ فالخيرُ منّا رَهنُ أرماسِ
من قولهم زال يزولُ أي مالَ ، ذهبَ ، تفرّقَ (وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم ) يعني قالت الملائكة للمشركين (مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ) يعني لم نأمركم بعبادتنا ولا عِلمَ لنا بذلك .
29 - (فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) أي مراقباً ، تقديره كفَى الاستشهاد بالله شهيداً (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) فهو يعلم ويرى (إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ ) لنا (لَغَافِلِينَ) لا علم لنا بِها .
30 - (هُنَالِكَ) ، تُستعمَل كلمة "هنالِكَ" للمكان والزمان معاً ، أمّا كلمة "هُناكَ" فتُستعمَل للمكان فقط (تَبْلُو) أي تختبر (كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ) أي ما عملت سلفاً في دار الدُنيا (وَرُدُّواْ) الملائكة المعبودين (إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ ) أي رجعوا إلى مكانهم في السماوات الأثيريّة بعد سؤالهم ومُحاكمة من عبدوهم (وَضَلَّ عَنْهُم) أي ضلّ عن المشركين (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) أي ما كانوا يكذبون بقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فلم يشفعوا لهم بل تبرّؤوا منهم ، وتشمل هذه الآية كلّ من عبد الأنبياء والمشايخ والأئمّة ، فالنصارى عبدوا المسيح ، والمسلمون [اليوم] أكثرهم يعبدون قبور المشايخ والأئمّة ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله كما قالت قريش في الملائكة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |