كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
23 - (وَرَاوَدَتْهُ) زُليخا زوجة فوطيفار رئيس الشرطة (الَّتِي هُوَ ) مُقيمٌ (فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ) مِراراً عديدة ، أي طالبتهُ أن يُجامعها فأبى يوسف (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ) في المرّةِ الأخيرة وتزيّنت ولبست أحسن ثيابها (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ) أصلها تهيّأتُ لك ، فحُذِفت التاء الأولى تسهيلاً للكلام ، والمعنى : تهيّأتُ وتزيّنتُ لكَ فلا تبتعدْ عنّي ، والشاهد على ذلك قول اُحَيحَة بن الجلّاح :
بِهِ أَحْمِي الْمُضَافَ إِذا دَعانِي إِذا ما قِيْلَ لِلأَبْطالِ هَيْتَا
أي تهيأوا . (قَالَ) يوسف (مَعَاذَ اللَّهِ ) أن أفعل ذلك إن تهيّأتِ فلزوجكِ ( إِنَّهُ رَبِّي ) أي إنّهُ سيّدي ومالكي ، ومن ذلك قولُ امرئ القيس :
فَما قاتَلُوا عَنْ رَبِّهِم وَرَبِيْبِهِم وَلا آذَنُوا جاراً فَيَظفَرَ سالِمَا
وقال النمر بن تولب :
تَرَيْ أنَّ ما أَبْقَيْتُ لم أكُ رَبَّهُ وأنَّ الَّذِي أَنْفَقْتُ كانَ نَصِيْبِـي
(أَحْسَنَ مَثْوَايَ ) وترك بيتهُ وملكهُ بيدي أفعل فيه ما أشاء فكيف أخونهُ في زوجتهِ (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) لحقوق الناس .
24 - (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ) بعد أن رفض طلبتها ، يعني همّت أن تُجبرهُ على أن يُجامعها وتوعّدتهُ بالضرب إن لم يفعل ، ولَمّا رآها مُصِرّةً على ذلك همّ أن يُجيبها إلى طلبتها (وَهَمَّ بِهَا ) أي طاوعتهُ نفسهُ إلى ما تريد منهُ (لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) أي لولا أن رأى كتاب ربّهِ ، وكان عند يوسف كتاب سماوي من صُحُف إبراهيم وقد وضعهُ على المنضدة في تلك الغرفة التي أمسكتهُ فيها زليخا فوقعَ نظرهُ على الكتاب فتذّكرَ ما فيهِ من النهي عن الزِنا والوعيد بالعذاب لمن يزني فحينئذٍ استثنى عن أن يفعل بها وأخذه الرُعبُ فنهضَ قائماً وهربَ إلى باب الدار فلحقتهُ زُلَيخا وأمسكتهُ من قميصهِ فشقّتهُ . فالبرهان هو الكتاب السماوي ، فالتوراة يُسمى برهاناً والقرآن برهاناً ، والشاهد على ذلك قول الله تعالى في سورة النساء {يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربّكم } فالبرهان هو القرآن .
(كَذٰلِكَ) ألفَتْنا نظرهُ إلى البُرهان (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ) يعني لنصرف عنهُ العذاب الّذي يلحقه من زوجها إن فعل والعار الذي يصيبهُ من الناس بسبب الزِنا (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) لنا في العبادة الّذينَ لا يعبدون غير الله .
25 - (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ) أي تسابقا في الركض إلى باب الدار هيَ للطلب وهو للهرب ، وإنّما أرادت أن تسبقهُ إلى الباب لكي تغلقه فلا يمكنهُ أن يهرب (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ) أي شقّتهُ من الخلف لَمّا مَسَكتهُ من قميصهِ فصارت قطعةٌ منهُ في يدها ، فالقدّ هو القطعُ ، ومن ذلك قول عنترة :
عَتِبْتُ الدَّهْرَ كَيْفَ يُذِلّ مِثلِي وَلِيْ عَزْمٌ أَقُدّ بِهِ الجِبالا
أي أقطعُ بهِ الجبالا (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) أي وجدا زوجها مُقبلاً عند باب الدار ، حينئذٍ رأت نفسها في مأزق ماذا تجيب زوجها إن رآها في تلك الحالة فألقت اللّوم على يوسف لتبرِئ نفسها من الجريمة (قَالَتْ) زليخا لزوجها (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ ) أي بزوجتك (سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يعني إمّا السجن وإمّا الضرب بالسِياط . قالت هذا القول لتشوّه الحقيقة
26 - (قَالَ) يوسُف (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ) ولم اُرِدْ بها سوءاً كما زَعَمَتْ (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ) بصدق يوسف ، وهو فلّاح كان يعمل في حديقة القصر وكان رجلاً حكيماً ولم تكن زليخا تعلم بوجودهِ في القصر في ذلك الوقت ، فقال الفلّاح لقد سمعتُ محاورتهما وفهمتُ غاياتهما والدليل على صِحّةِ قولي اُنظروا (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ ) زُليخا (وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) يعني يوسف .
27 - (وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ ) زليخا (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .
28 - (فَلَمَّا رَأَىٰ ) زوجها (قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ ) أي قُطِع ومُزّق من الخلف (قَالَ) لزوجته زليخا (إِنَّهُ) أي الكيد الذي كدتِيني بهِ ، وهو قولها ما جزاء من أرادَ بأهلِكَ سوءاً (مِن كَيْدِكُنَّ ) أي من كيد النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) .
29 - ثمّ التفتَ إلى يوسف فقال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ) الأمر ولا تكلّم بهِ أحداً لئلا يفشو خبرهُ بين الناس ، ثمّ خاطبَ زوجتهُ فقال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ) وتقديرهُ كُفّي عن يوسف واستغفري لذنبكِ (إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) في هذا الأمر وليس هو الخاطئ .
30 - (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ) أي جماعة من النساء في مدينة الإسماعيلية (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ) وهو رئيس الشرطة يُكنّى العزيز (تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ) أي تدعو مملوكها إلى نفسها ليزني بها (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ) أي أحبّتهُ حُبّاً شديداً حتّى دخل الحُبّ شِغاف قلبها ، ومن ذلك قول قيس بن الملوّح:
وَمَـا حُـبُّ الدِّيَـارِ شَغَفْـنَ قَلْبِـي ولَكِـنْ حُـبُّ مَنْ سَكَـنَ الدِّيَـارَا
وقال الأعشى :
فَهْوَ مَشْغُوفٌ بِهِنْدٍ هَائِمٌ يَرْعَوِي حِيناً وأحْيَاناً يَحِنْ
(إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .
31 - (فَلَمَّا سَمِعَتْ ) زليخا (بِمَكْرِهِنَّ) أي بتعييرهنّ إيّاها وقصدهنّ إشاعة أمرها ، وإنّما سمّاهُ مكراً لأنّ قصدهنّ من هذا القول أن تُريهنّ يوسف لِما وُصفَ لهنّ من حُسنهِ فكان هذا مكراً منهُنّ (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ) الخادمة فاستضافتهنّ (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) أي هيّأت لهنّ وليمة ، والشاهد على ذلك قول أعشَى ميمون :
نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئاً وقَهْوَةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِلُ
يعني بذلك الخمرة (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) لتقطعَ بها الفواكه (وَقَالَتِ) زليخا ليوسف (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ) وكانت قد أخفتهُ في الغرفة وألبستهُ أحسن ثيابه ، فخرج (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) يعني أعظمنهُ وتحيّرنَ في جمالهِ (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) بتلك السكاكين على جهة الخطأ بدل قطع التفّاح فما أحسَسْنَ إلا والدم يسيل من أيديهنّ ولم يجدنَ ألم القطع لاشتغال قلوبهنّ بيوسف (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ) أن يكون هذا هو المعتدي عليها ، وهذه تبرئة ليوسف (مَا هَـذَا بَشَرًا ) ليميل قلبهُ إلى النساء (إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) نزل من السماء على صورة بشر ، وذلك لِما رأينَ من عفّتهِ وحيائهِ وحُسن أخلاقهِ .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |