كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
23 - (ثُمَّ لَمْ تَكُن ) نتيجة (فِتْنَتُهُمْ) بالأصنام ، أي افتتانهم بِها وحُبّهم لها ، فالفتنة كثرة المحبّة ، ومن ذلك قول الشاعر :
لَئِنْ أَفْتَنَتْنِي لَهيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ عَقِيلاً فَأَمْسَى قَدْ قَلا كُلَّ مُسْلِمِ
(إِلاَّ أَن قَالُواْ ) بعد موتهم (وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهذا على اعتقادهم بأنّهم لم يجعلوها آلهة بل عبدوها لتشفع لهم عند الله ، وذلك من قولهم هؤلاء شُفعاؤنا عند الله .
24 - (انظُرْ) يا محمّد إلى هؤلاء المشركين (كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) بقولهم هؤلاء شُفعاؤنا عند الله (وَضَلَّ عَنْهُم ) أي غاب عنهم وضاعَ منهم (مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) بهِ على الناس من أمر الشفاعة .
25 - (وَمِنْهُم) أي من المشركين (مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) القرآن حين تقرأه عليهِ فيلين قلبُهُ ، ولكن أكثرهم مُتكبّرون لا تشملهم رحمتنا بسبب ظُلمهم وتكبّرهم (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) أي أغطية (أَن يَفْقَهُوهُ ) يعني لئلاّ يفقهوا القرآن ويفهموهُ (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) أي ثقلاً لئلّا يسمعوهُ (وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ ) أي كلّ علامةٍ تدلُّ على صدق محمّد وكلّ بيّنةٍ (لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) تكبّراً منهم عليك وحسَداً لكَ (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ ) والتقَوا معك (يُجَادِلُونَكَ) في القرآن (يَقُولُ الّذينَ كَفَرُواْ ) منهم (إِنْ هَذَآ ) أي ما هذا القرآن (إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) سطّروها في الكتب من أقوال لا صِحّةَ لها .
26 - (وَهُمْ) أي المشركون الّذينَ سبق ذكرهم (يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) أي ينهَون الناس عن استماع القرآن (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) أي ويبتعدون عنهُ لئلّا يقع في قلوبهم صِحّتهُ فيؤمنوا (وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ ) يعني وما يُهلكون إلاّ أنفسهم بهذا الابتعاد عن استماع القرآن فيلقونها في النار (وَمَا يَشْعُرُونَ ) بذلك .
27 - ثمّ أخبرَ اللهُ رسولهُ عن حال من مات منهم فقال تعالى (وَلَوْ تَرَىَ ) يا محمّد (إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ) أي وقفوا على حقيقتها وأطلعتهم الملائكة عليها (فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ) إلى الدنيا (وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) بِها ، أي من المصدّقين ، فردّ الله عليهم أمانيّهم وكذّبهم فقال تعالى :
28 - (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ) أي ظهرت لهم مخازيهم وانكشفت للناس أسرارهم وأعمالهم السيّئة ، ثمّ أخبر الله عنهم بأنّهم إذا رجعوا إلى الدنيا كما تمنّوا يعودون إلى عاداتهم وأفعالهم المخزية ، لأنّ الإنسان إذا تعوّد على شيء يصعب عليه تركهُ وتغييره ، وأنّ النفوس إذا دخلت في الأجسام تنسى ما كانت عليه في عالم النفوس وإذا ذكرت شيئاً منه تظنّه رؤيا وليس حقيقياً إلاّ نادراً ولذلك يعودون إلى ما تعوّدوهُ ، فقال تعالى (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) فيما تمنّوا .
29 - (وَقَالُواْ) مُنكرو البعث (إِنْ هِيَ ) أي ما هيَ (إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ) الّتي نحنُ فيها ولا حياة بعدها ولا حساب ولا عقاب (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) بعد الموت .
30 - ثمّ أخبر الله تعالى رسوله عن حال من مات من هؤلاء المشركين الّذينَ كذّبوا بآيات الله ورُسُلهِ فقال (وَلَوْ تَرَى ) يا محمّد حالهم (إِذْ وُقِفُواْ ) يعني حين أوقفتهم الملائكة (عَلَى) عذاب (رَبِّهِمْ) أي أطلعتهم على العذاب . يُقال وقفَ زيدٌ على حال عمرو ، أي تبيّنَ لهُ شأنهُ واطّلع على أمورِهِ (قَالَ) الملَك الموكّل بعذابهم (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ) أي بالوعد الحقّ ، يعني أليس هذا العذاب الّذي وعدناكم بهِ وأنذرناكم عنه؟ (قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ ) الملَك (فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) بآيات الله . ومِثلها قولهُ تعالى فيما سبق من السورة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ) ، ومِمّا يؤيّد هذا قولهُ (فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) .
31 - (قَدْ خَسِرَ الّذينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ ) أي بلقاء ثوابهِ وعقابهِ وفرّطوا في حقّهِ فأكلوا رزقهُ وعبدوا غيرهُ (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ ) أي ساعة الموت (بَغْتَةً) أي فجأةً ، حينئذٍ (قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ) يعني على ما ضيّعنا في الدنيا من وقتٍ بلا فائدة فحملنا أوزاراً بدل الحسنات ، فالتفريط معناه التقصير في الأعمال والتضييع في الوقت ، ومن ذلك قول لبيد :
أقضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً أو أنْ يَلُومَ بِحاجَةٍ لَوَّامُهَا
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ ) كتاب (أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ ) ، لأنّ الكافرين يحملون كتاب أعمالهم على ظهورهم ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الإنشقاق {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ، وَيَصْلَى سَعِيرًا } ، (أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) ، والمعنى : ألا ساءَ حِملهم الّذي أخذوهُ معهم لآخرتهم إذ أخذوا السيّئات بدل الحسنات .
32 - (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) للّذينَ يجهلون الآخرة (وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ ) من الدنيا (لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) المعاصي ويفعلون الطاعات (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) أيّها المكذِّبون المعاندون ؟
33 - (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ) قولهم (الَّذِي يَقُولُونَ ) إنّه مجنون وساحر وشاعر (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ) في قلوبهم لأنّهم يعرفونك صادقاً في أقوالك (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ ) منهم ، أي رؤساءهم (بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) تكبّراً منهم وعناداً ، أي بالمتشابه من القرآن يجحدون ويُنكرون . رُوِي أنّه التقَى أخنس بن شُريق وأبو جهل بن هشام فقال له : "يا أبا الحكم أخبرني عن محمّد أصادقٌ هو أم كاذب فإنّه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا؟ " فقال أبو جهل : "ويحك والله إنّ محمّداً لصادق وما كذبَ قطّ ولكن إذا ذهبَ بنو قُصي باللِّواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوّة فماذا يكون لسائر قريش؟ "
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |