كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
235 - (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) أيّها الرجال (فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء ) أصلها تعرّضتم ، فأسقِطت التاء الأولى تسهيلاً للكلام ، والمعنى : لا حرج عليكم فيما تعرّضتم بهِ من خِطبة النساء المعتدّات المتوفّى أزواجهنّ قبل انتهاء العِدّة ، وذلك بأن يُرسل إحدى قريباته فتخبرها بأنّ فلاناً خاطِبٌ لها إذا انتهت عدّتها (أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ) يعني أو أسررتم ذلك في أنفسكم ولم تُبدوهُ لأحد حتّى تنتهي عِدّتها (عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ) عند قريباتكم بأنّكم تريدون نكاحهنّ (وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ ) النكاح (سِرًّا) بينكم وبينهنّ إلاّ أن يكون الوعد بالزواج بحضور أشخاص أو بحضور أهلهنّ لئلاّ يقع شك في قلوب أهلهنّ بأنّكم تريدون معهنّ الفاحشة ، وذلك معنى قوله تعالى (إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) ، (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ ) أي لا تعقدوا عقدة النكاح ، والمعنى : لا تُجروا صيغة العقد (حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) يعني حتّى تنتهي العِدّة (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ) إن كانت لديكم نوايا سيّئة (فَاحْذَرُوهُ) أي فاحذروا عقابهُ ولا تخالفوا أوامره . وذلك لأنّ بعض الرجال يتزوّج المرأة لأجل جمالها فيضمر في نفسهِ أنّهُ يتزوّج تلك المرأة ثمّ يُطلّقها بعد أن يقضي منها شهوته ، أو يتزوّجها لأجل مالِها فيضمر في نفسه بأنّه يُطلّقها بعد أن يسلبها مالَها ، أو يتزوّجها لصنعةٍ تعرفها هيَ فيضمر في نفسه أنّهُ يطلّقها بعد أن تعلّمه تلك الصنعة ، أو يتزوّجها لغاية اُخرى يستفيد منها فإذا حصلت غايتهُ طلّقها ، فهذا لا يجوز ، فمن كانت هذه غايته وعليها بنَى نيّتهُ فليتّقِ الله في ذلك وليخشَ عذابه (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) لمن استثنى بعد ذلك عن سوء نيّتهِ وعملَ صالحاً مع زوجته ولم يُطلّقها بعد نيل غايته (حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة على من كانت لديه سوء نيّة بل يمهله كي يرى أعماله ثمّ يجازيه عليها .
236 - (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ) أباح الله تعالى طلاق المرأة التي لم تدخل بِها سواء فرضتَ لَها مهراً أو لم تفرضْ ، وذلك قوله تعالى (أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ) والتقدير : ما لم تمسّوهنّ مِمّن فرضتم أو لم تفرضوا لَهنّ فريضة .
فالتي فرضت لَها مهراً وأردت طلاقها فلها نصف المهر ، أمّا التي لم تفرض لها مهراً كالبديلة والموهوبة وغير ذلك فلها جُعالة إن أردت طلاقها : أي تجعل لها مقداراً من المال ، وذلك قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ) أي أعطوهنّ من متاع الدُنيا ، ومن ذلك قول الأعشى :
أثْوَى ثَوَاءَ كريمٍ ثُمَّ مَتَّعَنِي يومَ العَرُوبةِ إذْ ودّعْتُ أصْحَابا
فقول الشاعر " ثُمَّ مَتَّعَنِي" ، أي أعطاني من متاع الدُنيا . وهذا حكم المرأة التي لم تدخل بها ، أمّا الزوجة الّتي دخلت بها فلا يُباح طلاقها إلاّ أن تأتي بفاحشةٍ مُبيّنة ، وقوله (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ ) أي على الغنيّ قدر تمكينهِ وعلى الفقير قدر تمكينه (مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ) أي وسطاً ليس فيه إسراف ولا تقتير (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) أي واجباً على الّذينَ يُحسنون الطاعة ويتجنّبون المعصية .
237 - (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) يعني إذا تزوّج أحدكم بفتاة باكرة ولم يتمكّن من إزالة بكارتها وأراد أن يطلّقها لهذا السبب أو لسبب آخر فلها نصف المهر (إَلاَّ أَن يَعْفُونَ ) يعني إلاّ أن تعفو الزوجة عن حقّها لزوجها (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) وهو القاضي الّذي أجرى لهما صيغة العقد ، وذلك إذا ثبتَ لهُ أنّ أحدهما غنيٌّ والآخر فقيرٌ فيعفو القاضي حقّ الغنيّ منهما لزوجه الفقير ، أو كان أحدهما غابناً والآخر مغبوناً فيعفو القاضي حقّ الغابن للمغبون من الزوجين : مثَلاً إذا تزوّج شخص امرأةً ولم يرها إلاّ بعد عقد النكاح ولم تُعجبهُ لأنّها قبيحة المنظر ، أو وجد فيها عيباً فاشمأزّت نفسه منها ولم يدخل بها وأراد أن يُطلّقها ، أو أجبره أبوه على الزواج منها وهو لا يهواها ولم يدخل بها وأراد طلاقها ، فمثل هؤلاء مغبونون فيجب على القاضي الّذي بيده عقدة النكاح أن ينظر في قضاياهم ويحكم للمُحقّ منهما (وَأَن تَعْفُواْ ) أيّها الرجال عن النصف الآخر إن كنتم أغنياء (أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) أي أقرب من الصدقة الّتي تتجنّبون بها الأخطار وحوادث الأيّام إذْ بذلك يدفع الله عنكم البلاء وشرّ الأعداء (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) إن كنتم أقرباء فلا تتشاجروا فيما بينكم لأجل المال . فكلمة "النسيان" معناها الترك ، ومن ذلك قولهُ تعالى في سورة الأعراف { فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا } ، يعني نتركهم في النار كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا له . والمعنى : لا تتركوا الفضل بينكم بسبب الطلاق بل يعفو الغنيّ منكما لصاحبه الفقير (إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فيعاقب من يخالف أوامره . أمّا إذا مات الزوج قبل أن يطلّق وكانت في بيته فلها كلّ الأثاث وليس لها من إرثه شيء .
238 - (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ ) جمع صلاة ، أي داوموا عليها بأوقاتها ولو في الحرب والقتال ، وهي خَمسٌ فقد جاء ذكر ثلاث منها في سورة هود وهي صلاة الصبح أي الفجر وصلاة العصر والمغرب وذلك قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللّيل ِ} فقوله تعالى {طَرَفَيِ النَّهَارِ} يعني الصبح والعصر {وَزُلَفًا مِّنَ اللّيل } يعني قريباً من اللّيل وهي صلاة المغرب فهذه ثلاث ، وجاء ذكر اثنتين منها في سورة الإسراء وهي صلاة الظهر وصلاة العشاء ، وذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّيل } فدلوك الشمس زوالها وهي صلاة الظهر ، وغسق اللّيل ظلامهُ وهي صلاة العشاء فصار المجموع خمس فرائض (والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) هي صلاة الجمعة ، وصلاة الجمعة لا تُسقِط صلاة الظهر لقوله تعالى (والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) فخصّها دون الخمسة . (وَقُومُواْ ) بعد الصلاة (لِلّهِ قَانِتِينَ ) أي مُنقطعين عن أعمال الدُنيا وشؤونها متوجّهين بوجوهكم وقلوبكم إليه . ويُباح الجمع بين الصلاتين عند الضرورة والحرب والسفَر فيُجمَع بين الصلاتين عند اغتنام الفرصة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |