كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
247 - (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ) صموئيل (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ ) أي اختار لكم وبعثهُ إليكم (طَالُوتَ مَلِكًا ) وقد بعثهُ أبوه من جعبةَ إلى أرض صوف ، وهو شاب حسن الصورة من نسل بنيامين بن يعقوب ، واسمه شاؤول وأبوهُ قيس ، وإنّما يُكنّى طالوت لطول قامته لأنّه كان أطول الرجال في زمانه ، وكان هذا الاسم يكنّى به كلّ رجل طويل ، وما تزال هذه العادة موجودة بين الناس إذ يكنّون كلّ شخص طويل بإسم "طنطل" . وكانت لأبيه اُتُن (حمير) ضلّت فبعثه أبوه ليتجسّس عنها فصار طريقهُ على النبيّ صموئيل ، وكان الله تعالى قد أوحَى إليه بأنّ رجلاً من بنيامين سيأتيك غداً وأوصافه كذا وكذا فامسحه ملِكاً على بني إسرائيل . فلمّا جاءه بشّرهُ بالملوكيّة وأنبأه عن مستقبل حياته وصبّ على رأسه قِنينة الزيت (عِطر) ومسحه ليكون ملِكاً على بني إسرائيل .
فلمّا أخبرهم صموئيل بأنّ طالوت يكون ملِكاً أنكروا ذلك و(قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ) يعني من أينَ يكون له الملك؟ لأنّ النبوّة كانت في سبط لاوي بن يعقوب ، والْمُلك في سبط يهوذا ، وطالوت من سبط بنيامين (وَنَحْنُ أَحَقُّ ) أي أولى (بِالْمُلْكِ مِنْهُ ) لأنّنا من سبط النبوّة والمملكة (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ) لكي يقوم بشأن المملكة (قَالَ) نبيّهم (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ) أي اختاره من بينكم وهو أعلمُ بالمصالح منكم (وَزَادَهُ بَسْطَةً ) أي سِعة (فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) ، والملِك لا بدّ أن يكون من أهل العِلم وأن يكون جسيماً لأنّه أعظمُ في النفوس وأهيَب في القلوب (وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء ) وليس ذلك بالوراثة (وَاللّهُ وَاسِعٌ ) الفضل والعطاء (عَلِيمٌ) بمن يصطفيه للمُلك .
248 - فحينئذٍ قالوا نريد علامة على صحّة قولك بأنّ الله جعله ملِكاً علينا (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ) أي علامة تمليك الله لطالوت (أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) أي يرجع إليكم التابوت ، وكان أعداؤهم أخذوهُ منهم في الحرب ، لأنّ بني إسرائيل كانوا يحملونهُ أمامهم في الحرب فينتصروا على أعدائهم ، فلمّا أشركوا بالله وعملوا المعاصي والموبقات انتصرَ عدوّهم عليهم وأخذوا التابوت منهم .
وكان التابوت من خشب السنط طولهُ ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف مغشّى بصفائح الذهب من الداخل ومن الخارج وفيه أربع حلقات من ذهب على قوائمِهِ الأربع يرفع بِها وعليه إكليل من الذهب . وقد صنِع التابوت في عهد موسى .
فلمّا أخذه الفلسطينيّون أنزل الله عليهم الوباء فمات كثير منهم فعلموا أنّ الذي أصابهم كان بسبب التابوت فوضعوهُ على عربةٍ وشدّوا بِها بقرتين وساقوهما إلى حدود بني إسرائيل ، فبعث الله تعالى ملائكة تسوق البقرتين إلى بني إسرائيل فأخذوهُ وفرحوا بهِ . فقوله تعالى (فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي في رجوعه تهدئة لقلوبكم وتطمينٌ لنفوسكم (وَ) فيه (بَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ) أي مِمّا ترك رجالهم وأولادهم ، ويريد بذلك الأسفار التي كتبوها بعد وفاة موسى عن تاريخ بني إسرائيل ورحلاتهم وحروبهم ، وفيه قِطَع الألواح الحجرية ولوحا الشهادة أي التوراة وقنينة عطر وبعض ملابس موسى وهارون (تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ ) . يُقال زيدٌ حملني على قتل عمرو ، أي دعاني إلى قتله وساقني إلى ذلك ، والشاهد على ذلك قول عنترة :
وضَرَبْتُ قَرْنَي كبشِها فتَجَدَّلا وَحَمَلْتُ مُهْري وسْطَهَا فَمَضَاهَا
فقوله تعالى (تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ ) أي تدفعهم إلى إرجاع التابوت لبني إسرائيل وتسوقهم إلى ذلك ، حتّى وضعوهُ على عربةٍ وأطلقوها ، فأخذت الملائكة تسوق البقرتين إلى بني إسرائيل حتّى أوصلتهُ إليهم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ ) أي في إرجاع التابوت إليكم علامة لكم على مُلك طالوت (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) يعني إن كنتم مصدّقين .
249 - (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ) يعني فلمّا سارَ بهم وانفصلوا عن بلادهم ، وكان عددهم ثلاثمائة ألف رجل (قَالَ) طالوت لجنوده (إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ ) أي مختبركم وممتحنكم ، وذلك ليعلم طالوت من منهم يصبر على القتال ومن هو قليل الصبر ، وكان الاختبار على ذلك بالصبر على العطش عند حضور الماء ، فمن صبر ولم يشرب من النهر فهو يصبر على القتال وهو ذو عزمٍ وثبات ، ومن لم يصبر على العطش فلا يصبر على القتال أيضاً ، وذلك قوله (فَمَن شَرِبَ مِنْهُ ) أي من ماء النهر (فَلَيْسَ مِنِّي ) أي ليس من أصحابي وأتباعي (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) يعني من لم يشرب منه ولم يذق طعمه فإنّهُ من أتباعي (إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) سهواً ثمّ رمَى بِها ولم يشربها فلا بأس عليهِ . ثمّ أخبرَ الله تعالى عنهم فقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) لم يشربوا من ماء النهر ، وكان عدد الّذينَ لم يشربوا ثلاثمائة رجل ، (فَلَمَّا جَاوَزَهُ ) أي فلمّا جاوز النهر (هُوَ وَالّذينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي طالوت وجنوده الّذينَ آمنوا بأنّ الله سينصرهم (قَالُواْ ) أي قال الّذينَ شربوا من النهر (لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ) أي لا قوّة لنا بقتالهم ، وهم العمالقة (قَالَ الّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ ) أي ملاقو نصر الله ، وهم الّذينَ لم يشربوا من النهر (كَم مِّن فِئَةٍ ) أي فِرقة (قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ) أي بإرادة الله ، ومعناه إذا أراد الله نصر قوم على أعدائهم أذِن لملائكته أن تأتي إلى هؤلاء فتشجّعهم بالإيحاء والإلهام وتثبّتهم على القتال ، وتأتي إلى أعدائهم فتُخذّلُهم وتلقي الرعب في قلوبهم حتّى ينهزموا ويكون النصر للفئة القليلة (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالنصرةِ لهم على أعدائهم .
250 - (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أي خرجوا لقتالهم ، وجالوت يسمّى بالعبريّة جُليات وهو قائد الفلسطينيّين وأشجعهم (قَالُواْ ) أصحاب طالوت (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في قلوب أعدائنا (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قوم جالوت .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |