كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ) الطَول هو الغِنى والجاه ، والشاهد على ذلك قول حسّان بن ثابت :
إذا ما انْتدَى أجْنَى النّدَى وَابْتَنَى العُلا وأُلفِيَ ذا طَوْلٍ عَلَى مَنْ تَطَوَّلا
والمعنى : من لم يجد مالاً أو جاهاً ليتزوّج من الحرائر العفيفات المؤمنات فليتزوّج من الإماء ، أي من المملوكات ، لأنّ صُداقهنّ أقلّ من صُداق الحرائر العفيفات ، وذلك قوله تعالى (أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) يعني فليتزوّج من المملوكات (مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ) يعني من فتيات قومكم المؤمنات الصالحات ، يعني من ظهرَ لكم صلاحها وتقواها (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ) يعني أنتم تعلمون الظاهر واللهُ يعلم بالحقائق (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) يعني لا تأنفوا من زواج المملوكات كلّكم من آدم واُمّكم حوّاء (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) أي تزوّجوهنّ بإذنِ مالكهنّ .
من شروط الزواج الصحيح ثلاثة :
أوّلاً أن يكون برضا من أهل البنت ،
ثانياً أن يحضر الزوج شهوداً على زواجه من الفتاة ،
ثالثاً أن يكتب ورقة بالمهر المؤجّل ويعطيها المهر المعجّل .
ولا يصحّ الزواج بدون هذه الشروط وذلك لئلاّ ينكر الزوج بعد ذلك زواجه منها . وقد وقع زواج كثير بين رجل وامرأة دون حضور شهود ولا ورقة للمهر المؤجل فأنكروا زواجهم من تلك النساء بعد أن أشبعوا رغبتهم منهنّ .
(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني وآتوهنّ صداقهنّ بما هو مُتعارف بين الناس (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ) يعني بشرط أنّ الّتي تريدون زواجها تكون عفيفة لا زانية فإن تأكّدتم من عِفّتها تزوّجوها وإن تبيّن أنّها زنت فلا تتزوّجوها . فالْمُحصَنة هي التي منعت نفسها من الزِنا ، ومن ذلك قول جرير :
فَلا تَأمنَنَّ الحَيَّ قَيْساً فَإنّهمْ بَنُو مُحصَناتٍ لمْ تُدَنّسْ حُجُورُها
(وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) يعني ولا متّخذات أخلاّء في السرّ بأن يكون لها رفيقٌ تُوادِدهُ وتختلي معه في السرّ ، ومن ذلك قول جرير :
قَد كُنتِ خِدْناً لَنا يا هِنْدُ فَاعتَبِري ماذا يُريبُكِ مِنْ شَيْبِي وَتَقْوِيسِي
فمثل هذه المملوكة إحذروا من زواجها (فَإِذَا أُحْصِنَّ ) في حِصنٍ لمدّة شهر واستَبرأنَ بحيضةٍ وثبت خلوّها من الحمل فلا مانع حينئذٍ من زواجهنّ (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ) قبل الزواج (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) وهو خمسون جلدة : الخمسون جلدة للّتي تزني من المملوكات ، والمائة جلدة للحرائر اللّاتي ليس لهنّ أزواج ، والمنع من الطعام والشراب سبعة أيّام بلياليها للّتي تزني من ذوات الأزواج (ذَلِكَ) إشارة إلى نكاح الأمَة عند عدم الطّول (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) العنت هو الخضوع والتذلّل ، ومن ذلك قول الشاعر :
رَأَيْتُكَ تَبْتَغِي عَنَتِي وَتَسْعَى مَعَ السَّاعِي عَلَيَّ بِغَيْرِ ذَحْلِ
والمعنى : لمن يخضع لشهوةِ نفسهِ وينقاد لها ويخاف أن تحملهُ شِدّة الشبق على الزِنا فيلقى الحدّ في الدنيا والعذاب في الآخرة (وَأَن تَصْبِرُواْ ) حتّى يغنيكم الله من فضلهِ (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من الاستعجال والزواج بالمملوكات . ومِثلها في سورة النــور {وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } (وَاللّهُ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين .
وإذا تزوّج إحدى المملوكات مالِكُها ثمّ طلّقها فلا يجوز له أن يبيعها بل يجب عليه أن يُطلق سراحها فتتزوّج من شاءت .
26 - (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) أحكام دينكم ودنياكم (وَيَهْدِيَكُمْ) أي ويُرشدكم (سُنَنَ الّذينَ مِن قَبْلِكُمْ ) أي شرائع الّذينَ من قبلكم كشريعة موسى ومن مضى قبله لئلاّ تستنكروا ذلك (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) فيما صدر منكم قبل الإسلام (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بمصالحكم (حَكِيمٌ) فيما شرعهُ لكم .
وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في حكم زواج المملوكات المأخوذات من الأسر ، فقد جاء في سفر التثنية في الإصحاح الحادي والعشرين قال :
[ إذا خرجتَ لمحاربةِ أعدائك ودفعهم الربّ إلاهُكَ إلى يديك وسبيتَ منهم سبياً ، ورأيتَ في السبي امرأة ً جميلةَ الصورة والتصقتَ بِها وأخذتها لك زوجةً ، فحينَ تُدخلُها إلى بيتكَ تحلقُ رأسها وتقلّمُ أظفارها ، وتنزعُ ثيابَ سبيها عنها وتقعد في بيتكَ وتبكي أباها واُمّها شهراً من الزمنِ ثمّ بعد ذلك تدخل عليها وتتزوّج بِها فتكون لك زوجةً ، وإنْ لمْ تُسرّ بها فأطلقْها لنفسها ، لا تبِعْها بيعاً بفضّةٍ ولا تسترقّها من أجل أنّك قد أذللْتَها .]
27 - (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) لِما صدرَ منكم من أمر الأسيرات قبل نزول هذهِ الآية ، (وَيُرِيدُ الّذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ) يعني أن تميلوا إلى نكاح الأسيرات دون عِدّة فيكون ذلك ميلاً عظيماً من الحقّ إلى الباطل . وذلك لَمّا جيء بسبايا أوطاس قال بعض المنافقين : "إنكحوا من شئتم منهنّ" ، فقال المؤمنون : "لا نفعل حتّى نستشير رسول الله"، فلمّا استشاروهُ في نكاحهنّ أمرَ منادياً فنادَى : "ألا لا يُباح نكاح الحُبالَى حتّى يضعنَ حَملهنّ ولا غير الحُبالَى حتّى يستبرئنَ بحيضة" .
28 - (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ) الحكم في نكاح الأسيرات بأن جعل العِدّةَ شهراً واحداً لغير الحامل (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) للإرادة بقِلّةِ صبرِه ، يعني إذا رأى إمرأة جميلة وأحبّها لا يصبر عليها حتّى تنتهي عِدّتها .
29 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) أي لا يأخذْ بعضكم أموال بعض بدون استحقاق ، وذلك كالرشوة والقمار والربا وغير ذلك من اغتصاب أموال الناس (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً ) أي مُبايعة (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) لسببٍ من الأسباب ، لأنّ بعض الناس ينتحر لسبب فقرٍ أصابه أو كربٍ نالهُ أو ضيقٍ ابتلاه أو شدّةٍ وقع فيها ، فإن أصابك كرب أو شِدّة فلا تقتل نفسك بل اسأل من الله أن يفرّج عنك كربك ويزيل همّك واصبر قليلاً فإنّ الله تعالى سيفرّج عنك كربك ويزيل همّك ويشرح صدرك ، فقد قال الله تعالى في سورة الشرح {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } وقيل في المثل : الصبرُ مفتاح الفرج ، وفي ذلك قال الشاعر :
تَصَبّرْ لِلْعَواقِبِ واحْتَسِبْها فأنتَ مِن العواقِبِ في اثنتَينِ
تُرِيحُكَ بالْمُنَى أو بالْمَنَايا فإنّ الموتَ إحدَى الراحتَينِ
(إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فلا يُريد أن يديم عليكم العسر بل يريد أن يمتحنكم بذلك فيرى هل تصبرون أم تكفرون .فالصبرُ يكسبكم خبرة وتجارب في الحياة الدنيوية وعاقبةً حسنة ، وأجراً وثواباً في الآخرة .
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |