كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
261 - (مَّثَلُ الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ ) زارع (حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ) يعني أنّ النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضِعف في الآخرة ، وفي الدُنيا يُعطيه الله تعالى عشرة أمثالها (وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء ) أي يزيد لمن يستحقّ الزيادة (وَاللّهُ وَاسِعٌ ) العطاء (عَلِيمٌ) بمن ينفق في سبيل الله ومن ينفق في سبيل غيره .
262 - (الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى ) يعني لا يمنّون على من أعطَوهُ ولا يؤذونهُ ، و"المنّ " هو أن يقول له ألم أعطِكَ كذا ، ألم اُحسِنْ إليك ؟ والأذى أن يُسمعهُ كلمات لاذعة مِثل أن يقول لهُ أراحني اللهُ منك ، أو يقول لهُ إبتُليتُ بك ، أو غير ذلك من الكلمات اللّاذعة ، أو يتعبهُ بتكليف عمل يقوم به ، أولئك الّذينَ لا يتبعون منّاً ولا أذىً لمن أعطَوهُ (لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الجنان الأثيريّة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الأهل والأحباب .
263 - (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ) تقولهُ للسائل (وَمَغْفِرَةٌ) لهُ إذا أساءَ الأدب (خَيْرٌ) لك (مِّن صَدَقَةٍ ) تُعطيها (يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ ) عن صدقاتكم وعن جميع طاعاتكم (حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة على من يُتبِع الصدقة بالمنّ والأذى .
264 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ ) أجرَ (صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ) على من تصدّقتم عليهِ (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ ) أي قبالة الناس وأمام الناس . ومن ذلك قولهُ تعالى في قِصّة موسى وفرعون [ في سورة الشعراء ] {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } ، والشاهد على ذلك قول الأعشى :
لِمَيثاءَ إذْ كانتْ وأهلُكَ جيرةٌ رئاءٌ وإذْ يُفضِي إليكَ رسولُهَا
فقول الشاعر " رئاءٌ " يعني بعضهما يرى البعض الآخر لأنّ دارهُ مقابل دارها .
والّذي ينفق ماله رئاء الناس هو أبو جهل (وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ ) وحده بل يُشرك معه الأصنام (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أي ولا يؤمن بيوم القيامة ، وقد سبق شرحه فيما سبق في آية 126 ، (فَمَثَلُهُ) في ذهاب مالِه (كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ) وصفوان إسم جبل حجري في الحجاز ، حجارته ملساء ينزلق من يمشي عليها ، فلذلك يضعون عليه تراباً فيعملون طريقاً للصعود عليه للتفرّج والتنزّه ، فإذا جاء الشتاء وهطلت الأمطار بكثرة أزاحت التراب عن الجبل فعادَ حجراً ملساً يزلق من يمشي عليهِ ، والشاهد على ذلك قول أوس بن حجر :
عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كَأَنَّ مُتُونَهُ عُلِلْنَ بِدُهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلَا
يعني يُزلق من يريد النزول منه . وهذا مثَل ضربهُ الله تعالى في رؤساء الكافرين وخاصّةً أبا جهل بأنّهُ مادام لديهِ مال ينفق على أصحابه فإنّهم ينقادون له ويجتمعون حوله فإذا ذهب ماله ذهبت أصحابه عنهُ ، وفي ذلك قال الراجز :
رأيتُ الناسَ قدْ مالُوا إلى مَنْ عندَهُ مالُ
ومَنْ ليسَ لهُ مالُ فعنهُ الناسُ قد مالوا
فمثَل هذا الرئيس كجبل صفوان مادام عليه تراب تأتي إليهِ الناس وتصعد فوقه ، وإذا زال التراب عنه بسبب الأمطار انقطعت عنه الناس . فشبّهَ الله تعالى الرئيس بالجبل ، والمال بالتراب الزائل عن مكانه بحوادث الدهر ، وذلك قوله تعالى (فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ) أي فأصاب ذلك الجبل مطر شديد كثير ، ومن ذلك قول النابغة الذبياني :
سَقى الغَيثُ قَبراً بَينَ بُصرى وَجاسِمٍ بِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ قَطرٌ وَوابِلُ
(فَتَرَكَهُ صَلْدًا ) أي فترك الجبل حجراً أملسَ قويّاً لا تثبتُ قدما من يمشي عليهِ ، فالصلد هو الحجر القويّ ، والشاهد على ذلك قول عنترة :
أَشْكُو مِنَ الهَجْرِ في سِرٍّ وَفي عَلَنٍ شَكوَى تُؤَثِّرُ في صَلْدٍ مِنَ الحَجَرِ
(لاَّ يَقْدِرُونَ ) هؤلاء المنفقون أموالهم رئاء الناس (عَلَى شَيْءٍ ) من إرجاع أموالهم (مِّمَّا كَسَبُواْ ) قبل الإنفاق ولا يؤجَرون عليها (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) إلى طريق الجنّة كما يهدي المنفقين في سبيل الله وليس إنفاقهم رياءً . ونظير هذه الآية في سورة الأنفال قولهُ تعالى {إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ }
ثمّ أخذَ سُبحانهُ في مدح المؤمنين الّذينَ ينفقون أموالهم في سبيل الله فقال :
265 - (وَمَثَلُ الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) على الحقّ وعلى الإنفاق ، يعني بعضهم يُثبّت بعضاً ويحثّهُ على الإنفاق في سبيل الله وفي مرضاتهِ (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ) أي كمثَل بستان فوق ربوة ، وهي المرتَفَع من الأرض ، وإنّما خصّ الربوَة لأنّ نبتها يكون أحسن وريعها أكثر لأنّ أرضها تكون صالحة للزرع حيث لا يوجد فيها أملاح كما يوجد في المنخفضات (أَصَابَهَا وَابِلٌ ) أي مطر كثير (فَآتَتْ أُكُلَهَا ) أي ما يؤكل منها (ضِعْفَيْنِ) يعني فأعطت غلّتها ضعفَي ما تعطي غيرها من أرض مُستغلّة أو فيها ملوحة (فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ) والمعنى : إن أصابها مطر كثير فلا تغرق لأنّها على مُرتفع من الأرض وإن لم يصبها وابل من المطر فلا تُحرم من الطلّ ، لأنّ الطلّ أقرب إلى المرتفعات من الأراضي ، والطلّ هو القطرات المائيّة الّتي تصبح على أوراق الأشجار والأزهار ، وتسمّيه العامّة "ندى" (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فيجازي المنفق على إنفاقه ويعاقب الممسك على بُخلهِ .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |