كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
265 - (وَمَثَلُ الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) على الحقّ وعلى الإنفاق ، يعني بعضهم يُثبّت بعضاً ويحثّهُ على الإنفاق في سبيل الله وفي مرضاتهِ (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ) أي كمثَل بستان فوق ربوة ، وهي المرتَفَع من الأرض ، وإنّما خصّ الربوَة لأنّ نبتها يكون أحسن وريعها أكثر لأنّ أرضها تكون صالحة للزرع حيث لا يوجد فيها أملاح كما يوجد في المنخفضات (أَصَابَهَا وَابِلٌ ) أي مطر كثير (فَآتَتْ أُكُلَهَا ) أي ما يؤكل منها (ضِعْفَيْنِ) يعني فأعطت غلّتها ضعفَي ما تعطي غيرها من أرض مُستغلّة أو فيها ملوحة (فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ) والمعنى : إن أصابها مطر كثير فلا تغرق لأنّها على مُرتفع من الأرض وإن لم يصبها وابل من المطر فلا تُحرم من الطلّ ، لأنّ الطلّ أقرب إلى المرتفعات من الأراضي ، والطلّ هو القطرات المائيّة الّتي تصبح على أوراق الأشجار والأزهار ، وتسمّيه العامّة "ندى" (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) فيجازي المنفق على إنفاقه ويعاقب الممسك على بُخلهِ .
266 - (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ ) أيّها المنفقون أموالكم لغير الله (أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) علاوة على النخيل والأعناب (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ) أي أولاد صغار (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ ) أي فأصاب تلك البستان رياح شديدة ، وهي الّتي تُسمّيها الناس زوبعة ، ومن ذلك قول الشاعر :
فَلَهُ فِي آثَارِهِنَّ خُوَارُ وَحَفِيفٌ كَأَنَّهُ إِعْصَارُ
وجمع الإعصار أعاصير (فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) تلك البستان فكيف يكون حاله وكيف تكون حسرتهُ عليها (كَذَلِكَ) الّذي ينفق مالَه لغير الله لا يصيبهُ من إنفاقهِ غير الخُسران في الدُنيا والحسرة في الآخرة على تلك الجنّة الّتي مرّ ذكرها ، فلو أنفق ماله في سبيل الله لحصل عليها في الآخرة وتنعّم بها مع ذرّيته الصغار ولأعطاه الله بدل إنفاقه عشرة أضعاف في الدُنيا غير نعيم الآخرة ، ولكنّهُ أنفق مالَه لغير الله فخسرَ مالَه وأجرَ إنفاقه في الآخرة (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ ) أي الدلالات ويضرب لكم الأمثال (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) في عواقب الاُمور فيتّضح لكم الحقّ من الباطل . هذه وصيّة الله بأن ننفق من أموالنا في سبيلهِ فيعطينا بدلها أضعاف ما أنفقنا ، ولكن اليوم أصبح أكثر الناس ينفقون أموالهم في سبيل المشايخ والأئمّة والأولياء ، وهذا لايجوز ولا يؤجَرون عليه بل يخسرون أموالهم في الدُنيا ويُعاقَبون عليها في الآخرة .
267 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ ) على الفقراء والمحتاجين (مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) يعني من خيار المأكل والملبس (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ) أي وأنفقوا من الحبوب والأثمار الّتي أنبتناها لكم وأخرجناها من الأرض (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ ) أي لا تقصدوا الرديء من المال لتنفقوهُ (تُنفِقُونَ) الرديء (وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ ) إن أعطاكم أحدٌ مثلهُ (إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ) يعني إلاّ حياءً تأخذونهُ من مُعطيهِ (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ ) عن إنفاقكم (حَمِيدٌ) أي تحمده الناس على كثرة عطائه .
268 - (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) بالإنفاق ، يعني يقول لكم لا تُنفقوا فتَفتقروا (وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ) أي يأمركم بالخصال المذمومة ومن تلك الخصال إتلاف المال على الزانيات (وَاللّهُ يَعِدُكُم ) على الإنفاق (مَّغْفِرَةً مِّنْهُ ) لذنوبكم (وَفَضْلاً) منه عليكم بأن يُعطيكم عشرة أمثال ما أنفقتم في الدُنيا وسبعمائة في الآخرة (وَاللّهُ وَاسِعٌ ) العطاء (عَلِيمٌ ) بالمنفق والممسِك .
269 - (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ) أي الله يعطي الهداية والموعظة لمن يشاء من عبادهِ (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) لأنّهً جمع لهُ خير الدُنيا والآخرة ، وفي ذلك قال الشاعر :
ما أَحْسَنَ الدِّيْنَ والدُنيا إذا اجْتَمَعَا لا خيرَ في دنياً بلا دِينِ
فالحكمة هي الموعظة الّتي أنزلها الله في الكتب السماويّة على أنبيائهِ ورُسُلهِ ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء إذْ جاء بالموعظة فذكر عدداً منها فقال :
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ ،
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ،
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ،
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ،
وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ،
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ،
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ،
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ،
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ ،
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ،
وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ،
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ،
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ،
وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا .
فهذه خمس عشرة موعظة ، ثمّ قال بعدها {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } يعني الموعظة ، فالحكمة أعطاها الله لأنبيائهِ ورُسُلهِ وهم قرأوها على الناس وعلّموهم بها فمن أخذها وعمِلَ بها فقد أوتي خيراً كثيراً ، ومن صدّ عنها وعمل ضِدّها فقد خسِرَ خُسراناً مُبينا . وقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) يعني وما يتّعظ بها إلاّ ذوو القلوب الواعية الّتي ترأف بالفقراء والمساكين .
270 - (وَمَا أَنفَقْتُم ) في سبيل الله (مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم ) لله (مِّن نَّذْرٍ ) ووفيتم بهِ (فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ ) ويأجركم عليه (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) يدفعون عذاب الله عنهم . وأراد بالظالمين البُخلاء الّذينَ لا يعطون حقّ الفقراء من الزكاة الّتي أوجبها الله لهم ، وكذلك الّذينَ يَنذرون لغير الله ، الّذينَ يَنذرون للأنبياء والمشايخ والأئمّة وينفقون أموالهم في سبيلهم فهؤلاء هم الظالمون ، ولا يجوز النذر لغير الله .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |