كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 270) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

270 - (وَمَا أَنفَقْتُم ) في سبيل الله (مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم ) لله (مِّن نَّذْرٍ ) ووفيتم بهِ (فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ ) ويأجركم عليه (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) يدفعون عذاب الله عنهم . وأراد بالظالمين البُخلاء الّذينَ لا يعطون حقّ الفقراء من الزكاة الّتي أوجبها الله لهم ، وكذلك الّذينَ يَنذرون لغير الله ، الّذينَ يَنذرون للأنبياء والمشايخ والأئمّة وينفقون أموالهم في سبيلهم فهؤلاء هم الظالمون ، ولا يجوز النذر لغير الله .

271 - (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ ) يعني إن تعطوها علانيةً (فَنِعِمَّا هِيَ ) أي فنِعمَ الشيء إظهارها (وَإِن تُخْفُوهَا ) أي تستروها (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء ) أي وتعطوها للفقراء بالسِرّ (فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ ) عند الله من إعطائها علانيةً (وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ) بسبب صدقاتكم ، أي يمحوها عنكم ، وهي صغائر الذنوب (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) فيجازيكم على أعمالكم .

272 - كان النبيّ (ع) يحثّ المسلمين على الإنفاق في سبيل الله ، ويمنع الإنفاق لغير الله كالأصنام والأوثان ، وكان بعض المشركين جالسين فاعترضوا على النبيّ وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله فإنّنا ننفق أموالنا لأجلهم ونذبح القرابين لهم ليشفعوا لنا عند الله . فقال النبيّ تلك أحجار لا تضرّ ولا تنفع . قالوا : إسكت ولا تكفر بتلك الغرانيق العُلى والّتي شفاعتهنّ تُرتَجى . فاغتمّ النبيّ من قولهم فنزل قوله تعالى (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ ) عليك إنذارهم (اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) أي يهدي من كان أهلاً للهداية ، ثمّ خاطبَ المسلمين فقال (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ ) أي من مالٍ (فَلأنفُسِكُمْ) ثوابهُ ولكم جزاؤهُ (وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ ) أي في سبيل الله ليوصلكم إلى جهتهِ ويُدخلكم جنّاتهِ . فالوجه معناه الجهة ، والجنان موقعها في السماء في جهة الله ، والمعنى : إذا أنفقتم في سبيل الله ولم تُنفقوا للأصنام والأوثان فسيُدخلكم في جنّاته وتكونون في جواره في السماوات الأثيريّة (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) يعني يعطيكم أجركم وافياً (وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) بنقصٍ من أجوركم بل نزيدكم عليها أضعافاً .

273 - لَمّا ذكرَ سبحانهُ الصدقات في الآية السابقة بقوله (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ..الخ ) ، وأنّها للفقراء ، خصّ في هذه الآية بعض الفقراء بالأقدميّة فقال تعالى (لِلْفُقَرَاء الّذينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الحصار هو المنع والحبس ، ويريد بذلك الفقراء من المهاجرين الّذينَ منعوهم أموالهم وحبسوها عنهم فلم يبقَ لهم من المال ما يُتاجرون بهِ ولا ما يكتسبون فيهِ . وكذلك المجاهدين لأنّهم منعوا أنفسهم عن الكسب والتجارة بالحرب والدفاع عن الدِين وعن إخوانهم المسلمين . وقوله (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا ) أي ذهاباً وتصرّفاً (فِي الأَرْضِ ) للكسب والتجارة (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ ) بحالهم (أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ) أي يظنّهم الجاهل بحالهم أغنياء وذلك لِما يرى فيهم من التعفّف ، والتعفّف هو الامتناع عن السؤال والتجمّل في اللباس والستر لِما هم فيه من الفقر (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) أي تعرف حالهم بالنظر إلى وُجوههم لِما فيها من علامة الفقر (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) . "الإلحاف" معناه الإلحاح في السؤال ، ومن ذلك قول طَرَفة يمدح قومه :

                           لا يُلحِفونَ على غارِمِهِمْ      وعلى الأيسارِ تيسيرُ العَسِرْ

(وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه في الآخرة ويزيدكم من فضله .

274 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في مدح المؤمنين الّذينَ ينفقون أموالهم في أوقات مُتعدّدة وحالات مُناسبة فقال تعالى (الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم ) في سبيل الله (بِاللّيل وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً ) يعني مرّةً باللّيل ومرّة بالنهار فلا فرق عندهم في ذلك بل يرَونَ الوقت المناسب ، وكذلك إن كان سِرّاً أو علانيةً فلا مانع لديهم من ذلك (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الآخرة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدُنيا .

275 - ثمّ حذّر سبحانهُ عن أخذ الربا وبيّن ما لصاحبه من العذاب يوم القيامة فقال (الّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ) في الدُنيا (لاَ يَقُومُونَ ) يوم القيامة للحساب (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ) السكران (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) "التخبّط" هو الضرب على الأرض والسير فيها على غير اهتداء ، و"المسّ " هو شدّة السُكْر وهي كلمة عربيّة استعملتها الفُرس ، فتقول في أغانيها : "مَس بودَمْ هوشيارَمْ كردي" ، أي كنت سكراناً فأصحيتني . فقوله تعالى (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) يعني كمثَل السكران الذي يتخبّطهُ الشيطان من شدّة السُكْر فيذهب به يميناً وشمالاً ويُلقيهِ في المهالك . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ، وقوله (ذَلِكَ) أي ذلك العذاب لهم (بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) فردّ الله عليهم وذمّهم وذمّ فعلهم فقال (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) في جميع الكتب السماوية السالفة فكيف يحلّلونهُ بأهوائهم ويجعلونه مثل البيع (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي فمن بلَغهُ وعظٌ من الله وزجرٌ بالنهي عن الرِّبا (فَانتَهَىَ) عن أخذ الرِّبا وتابَ (فَلَهُ مَا سَلَفَ ) معناه فلهُ ما أخذ وأكل من الرِّبا قبل النهي (وَأَمْرُهُ) في الرزق والعيش (إِلَى اللّهِ ) فإنّ الله يرزقه إذا اتّعظَ وتركَ الرِّبا واكتسبَ من الحلال وتركَ الحرام (وَمَنْ عَادَ ) إلى أكل الرِّبا بعد التحريم (فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم