كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
273 - لَمّا ذكرَ سبحانهُ الصدقات في الآية السابقة بقوله (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ..الخ ) ، وأنّها للفقراء ، خصّ في هذه الآية بعض الفقراء بالأقدميّة فقال تعالى (لِلْفُقَرَاء الّذينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الحصار هو المنع والحبس ، ويريد بذلك الفقراء من المهاجرين الّذينَ منعوهم أموالهم وحبسوها عنهم فلم يبقَ لهم من المال ما يُتاجرون بهِ ولا ما يكتسبون فيهِ . وكذلك المجاهدين لأنّهم منعوا أنفسهم عن الكسب والتجارة بالحرب والدفاع عن الدِين وعن إخوانهم المسلمين . وقوله (لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا ) أي ذهاباً وتصرّفاً (فِي الأَرْضِ ) للكسب والتجارة (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ ) بحالهم (أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ) أي يظنّهم الجاهل بحالهم أغنياء وذلك لِما يرى فيهم من التعفّف ، والتعفّف هو الامتناع عن السؤال والتجمّل في اللباس والستر لِما هم فيه من الفقر (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) أي تعرف حالهم بالنظر إلى وُجوههم لِما فيها من علامة الفقر (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) . "الإلحاف" معناه الإلحاح في السؤال ، ومن ذلك قول طَرَفة يمدح قومه :
لا يُلحِفونَ على غارِمِهِمْ وعلى الأيسارِ تيسيرُ العَسِرْ
(وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه في الآخرة ويزيدكم من فضله .
274 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في مدح المؤمنين الّذينَ ينفقون أموالهم في أوقات مُتعدّدة وحالات مُناسبة فقال تعالى (الّذينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم ) في سبيل الله (بِاللّيل وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً ) يعني مرّةً باللّيل ومرّة بالنهار فلا فرق عندهم في ذلك بل يرَونَ الوقت المناسب ، وكذلك إن كان سِرّاً أو علانيةً فلا مانع لديهم من ذلك (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الآخرة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدُنيا .
275 - ثمّ حذّر سبحانهُ عن أخذ الربا وبيّن ما لصاحبه من العذاب يوم القيامة فقال (الّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ) في الدُنيا (لاَ يَقُومُونَ ) يوم القيامة للحساب (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ) السكران (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) "التخبّط" هو الضرب على الأرض والسير فيها على غير اهتداء ، و"المسّ " هو شدّة السُكْر وهي كلمة عربيّة استعملتها الفُرس ، فتقول في أغانيها : "مَس بودَمْ هوشيارَمْ كردي" ، أي كنت سكراناً فأصحيتني . فقوله تعالى (إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) يعني كمثَل السكران الذي يتخبّطهُ الشيطان من شدّة السُكْر فيذهب به يميناً وشمالاً ويُلقيهِ في المهالك . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحج {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ، وقوله (ذَلِكَ) أي ذلك العذاب لهم (بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) فردّ الله عليهم وذمّهم وذمّ فعلهم فقال (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) في جميع الكتب السماوية السالفة فكيف يحلّلونهُ بأهوائهم ويجعلونه مثل البيع (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي فمن بلَغهُ وعظٌ من الله وزجرٌ بالنهي عن الرِّبا (فَانتَهَىَ) عن أخذ الرِّبا وتابَ (فَلَهُ مَا سَلَفَ ) معناه فلهُ ما أخذ وأكل من الرِّبا قبل النهي (وَأَمْرُهُ) في الرزق والعيش (إِلَى اللّهِ ) فإنّ الله يرزقه إذا اتّعظَ وتركَ الرِّبا واكتسبَ من الحلال وتركَ الحرام (وَمَنْ عَادَ ) إلى أكل الرِّبا بعد التحريم (فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يوم القيامة .
276 - (يَمْحَقُ اللّهُ ) آكل (الْرِّبَا) أي يُنقِص عمرهُ ويُنقِص دِينهُ ، ومن ذلك سُمّي "المحاق" للقمر في آخر ليلة من الشهر ليعود هلالاً ، والشاهد على ذلك قول عنترة :
أنَا العَبْدُ الذي يَلْقَى المنايا غَدَاةَ الرَّوْعِ لا يَخْشَى الْمُحَاقَا
(وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) أي يبارك في مال المتصدّق ويزيد في عُمرهِ وفي مالهِ (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ ) لِنعم الله فيقابلها بالكُفران بدلَ الشُكْر (أَثِيمٍ) أي كثير الآثام ، يعني آكل الرِّبا .
277 - (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) بالقرآن واتّبعوا محمّداً (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) الّتي أمرهم الله بها (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ) الواجبة (وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ ) المفروضة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الجنان الأثيريّة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدُنيا .
278 - كان بعض المسلمين يشتغلون في الرِّبا في زمن الجاهلية أي قبل إسلامهم وكانت لهم بقايا على أصحابهم فلمّا أسلموا وصار وقت أخذ الطلب طالبوا قومهم بذلك ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ ) أي اُتركوا (مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) على الناس (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) حقّاً .
279 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ يتهدّدهم ويتوعّدهم فقال تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ) أي فإن لم تقبلوا أمر الله ولم تتركوا بقيّة الرِّبا (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) أي فاسمعوا أنّ الله تعالى يأذن لرسوله بحربكم ومُقاتلتكم إن لم تفعلوا ما اُمِرتم بهِ (وَإِن تُبْتُمْ ) من استحلال الرِّبا وأقررتم بتحريمه (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) دون الزيادة (لاَ تَظْلِمُونَ ) الناس بأخذ الزيادة على رأس المال (وَلاَ تُظْلَمُونَ ) بالنقصان من رأس المال .
280 - (وَإِن كَانَ ) المديون [أي الْمَدين ] (ذُو عُسْرَةٍ ) لا يتمكّن من دفع ما عليه من الدَّين (فَنَظِرَةٌ ) النظِرة تصغير الانتظار ، والمعنى : فانتظروهُ (إِلَى مَيْسَرَةٍ ) الميسرة تصغير يسار ، ومن ذلك قول حاتم الطائي :
ألا اُعانُ علَى جُودي بِمَيْسَرَةٍ فلا يَرُدُّ ندَى كفَّيَّ إقتارِي
والمعنى : فانتظروهُ حتّى تتيسّر له الدراهم فيعطيكم (وَأَن تَصَدَّقُواْ ) أصلها وأن تتصدّقوا ، فحذفت إحدى التاءين لتسهيل الكلام ، والمعنى : وأن تتصدّقوا على المعسِر بما عليه من الدَين (خَيْرٌ لَّكُمْ ) من مُطالبتهِ (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ما لكم عند الله من الأجر والثواب .
ثمّ حذّر سُبحانهُ من عذاب يوم القيامة فقال :
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |