كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النّور من الآية( 28) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

28 - (فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ) في الدخول (وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ) ولا تدخولها (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) أي أطهر لكم في دينكم وأسلم عاقبة في اُموركم (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) فيجازيكم على نوع أعمالكم .

29 - (لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) أي حرجٌ (أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ) وذلك في المحلات العامّة "كالسِّيف" الّذي توضع فيه الحبوب والأطعمة أو الخان الّذي توضع فيه التجارة أو المعمل أو المصنع أو الفندق أو غير ذلك من المحلات العامّة فليس عليكم حرج أن تدخلوها بلا استئذان لأنّها موضوعة للجميع (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) من أسرار .

30 - (قُل) يا محمّد (لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ ) نظر (أَبْصَارِهِمْ) عن الشهوات والنظر إلى المحرّمات ، فالبصر هو من أعضاء النفس والعين من أعضاء الجسم ، ولا يتمّ النظر للأحياء إلا بالبصر لأنّ العين تقوم مقام النظّارات السوداء الّتي تقلّل الضوء وتحجب أشعّة الشمس عن البصر ، فالعين غطاء نصف شفّاف يغطّي البصر كالنظّارات السوداء ، فإذا مات الإنسان زال هذا الغطاء عن بصره فيكون بصره أقوى في الظلام وقليلاً في الضياء ومعدوماً في الشمس فلا يرى شيئاً . قال الله تعالى في سورة ق ، مخاطباً من مات {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي حادّ البصر قويّ النظر . وما العين إلا قالب تكوّن فيها البصر ، فالأعمى لا يذهب بصرهُ وإنّما يكون خللٌ في عينهِ فيحجب عن بصره ، قال الله تعالى في سورة الحـج {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } . وأصل الغض التقليل من الشيء ، يُقال غضّ بصرهُ وغضّ صوتهُ ، ومنه قوله تعالى حاكياً عن لقمان {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي قلّل من صوتك ، وقال حسّان :

                                     تَغُضُّ الطَّرْفَ أَنْ أَلْقاكَ دُونِي      وَتَرْمِي حِينَ أُدْبِرُ باللِّحاظِ

(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) عن الزِنا واللّواط وكشفها لمن يرَى (ذَلِكَ) الحِفظ (أَزْكَى لَهُمْ ) من الفساد وأطهر من الأمراض وأنفع للأهل والأولاد (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فيوفّيهم أعمالهم .

31 - (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ ) نظر (أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) للرجال الأجانب ، والزينة كلّ ما تزيّنت بهِ المرأة من أساور وخلاخيل وأقراط وخواتم وغير ذلك من لباس وتجميل كالكُحل والحُمرة والخِضاب والوَشم ، فكلّ ذلك يجب عليها أن تخفيهِ تحت ردائها لئلا تراهُ الرجال عند خروجها من البيت ، وقوله (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) فلا حرجَ عليها من ذلك ، والظاهر من الزينة هو الخِمار والقِطع الذهبيّة الّتي توضع في الخمار فوق الرأس و"العُصابة" الّتي تشدّها بعض النساء على رأسها ، و"الچرغد" الّذي تلبسه بعض النساء برأسها وتضع فيه قِطع ذهبيّة ، و"العباءة" ويُعلّق بعضهنّ فيها "بلابل ذهبيّة" و"الحذاء" (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) "الخُمُر" هيَ المقانع مُفردها خِمار ، تلبسهُ المرأة على رأسها فتلفّ بهِ رأسها وتستر بهِ صدرها ووجهها إلا عينيها ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                       وهاجِرَةٍ حَرُّها صاخِدٌ      جَعَلْتَ رِداءَكَ فيها خِمارَا

و"الجيوب" هي فتحات الثياب الّتي تُلبس منها مفردها جيب وفيه تكون الأزرار ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                   يُشَقِّقْنَ الجُيُوبَ وكلَّ وَجهٍ      طَفِيفٌ أنْ تَصَلَّى لهُ وقلاَّ

والمعنى: فليَلْبَسْنَ المقانع برؤوسهنّ ويسترنَ بها صدورهنّ ووجوههنّ باستثناء عيونهنّ (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) التكرار للتوكيد (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) أي لأزواجهنّ ، مفردها بعل وهو الزوج (أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) يعني أو قريباتهنّ من النساء وصديقاتهنّ فيباح لهنّ أن يتعرّينَ أمامهنّ ، أمّا الكافرات أو الفاسقات فلا يجوز لهنّ أن يتعرّينَ أمامهنّ ، وذلك لئلا ينقلنَ لأزواجهنّ أوصاف المسلِمات وما في أجسامهنّ من علائم ووشم فيتّهموهنّ أزواج الكافرات بالزِنا ويستشهدون على قولهم بالعلائم والوشم الّذي في جسم المسلمة الّتي يتّهمونها بالزِنا (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) من الإماء ، يعني الخادمات (أَوِ التَّابِعِينَ ) لهنّ في الخدمة (غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) أي الّذينَ ليس لهم حاجة في النساء كالخنثَى والخصِي والشَيخ الهرِم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة طاها {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ اُخرى} أي حاجات اُخرى . وقال حسّان يمدح عبد الله بن عبّاس :

                          كَفَى وَشَفَى ما في النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ      لِذِي إرْبَةٍ في القَوْلِ جِدّاً ولا هَزْلا

فقول الشاعر " لِذِي إرْبَةٍ" أي لذي حاجةٍ . فهؤلاء يُباح للمرأة أن تُسفِرَ أمامهم وتُظهر زينتها (أَوِ الطِّفْلِ ) الصغير (الّذينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ) أي لم يُميّزوا عورات النساء من عورات الرجال ، فهؤلاء يُباح للمرأة أن تتعرّى أمامهم (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ) الأرض إذا خرجنَ من بيوتهنّ (لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ) أي ليسمع الرجال صوت الخلخال (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بنعيم الجنّة .

32 - (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ ) "الأيامى" جمع ومفردها أيّم ، وهي المرأة الّتي لا زوج لها سواء بكراً كانت أو ثيّباً ، وفي ذلك قال جميل :

                                  أُحِبّ الأَيامَى إذْ بُثَيْنَةُ أَيِمٌ      وأَحْبَبْتُ لَمَّا أَن غَنِيتِ الغَوانِيَا

وقال الآخر :
                              فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي      يَدَا الدَّهْرِ مَا لَمْ تَنْكِحِي أَتَأَيَّمِ


ومعناه إن تتزوّجي أتزوّجْ وإن بقيتِ بلا زوج فأنا أبقَى كذلك بلا زواج . وقالت سلمى تصفُ معركة الغميصاء :

                           أَحاطَتْ بخُطَّابِ الأَيامَى وطُلِّقَتْ      غداتَئِذٍ مَنْ كانَ في الحَيِّ ناكِحَا

تقول كم رجل كان خاطباً لمرأةٍ غير مُتزوّجة فقُتِلَ وبَقِيَتْ بلا زوج ، وكم مُتزوّج قُتِلَ في هذه المعركة فبقيتْ زوجته بلا زوج كأنّها مُطلّقة . والمعنى: زوّجوا أيّها المسلمون مَن لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ) أي وزوّجوا الصالحين من عبيدكم ، يعني الخدم (وَإِمَائِكُمْ) مُفردها أمَة وهي الخادمة (إِن يَكُونُوا ) الأزواج (فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) فلا تمتنع المرأة من زواج الفقير فإنّ الله يُغنيهِ في المستقبَل (وَاللَّهُ وَاسِعٌ ) الفضل والعطاء (عَلِيمٌ) بأحوال عبادهِ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم