كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
28 - نهى الله تعالى في هذه الآية وفي غيرها عن موالاة الكافرين والمشركين وعن محبّتهم وإفشاء الأسرار إليهم ، فقال (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ) أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتّخذوا الكافرين أولياء يُحبّونهم ويُساعدونهم ويُفشون إليهم أسرار المسلمين (مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي يوالونهم بدل المؤمنين ، فيجب عليهم أن يوالوا المؤمنين لا الكافرين (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ) يعني ومن يوالِهم منكم فليس هو من ولاية الله في شيء ، أي أنّ الله تعالى لا يتولّى أمرهُ بل يبرأ منهُ (إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) يعني إذا كانت السُلطة بأيديهم وتخافون القتل أو التعذيب فتُظهرون محبّتهم باللِسان دون القلب ، ولا يجوز مُساعدتهم وإفشاء أسرار المسلمين إليهم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) فلا تُخالفوا أوامره (وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) بعد موتكم فيعاقبكم على موالاتكم للكافرِين . ثمّ عقّبها بتهديد المنافِقين الّذينَ يوالون المشركين فقال تعالى :
29 - (قُلْ) لهم يا محمّد (إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) من أمرٍ سَيّء أو عملٍ باطل (أَوْ تُبْدُوهُ ) يعني أو تُظهروه للناس وتكشفوا أسرارهُ (يَعْلَمْهُ اللّهُ ) فيُخبر بهِ رسوله ويُعاقبكم عليه (وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من حوادث كونيّة وتقلّبات طبيعيّة فيُصيبكم ببعضها ويهلككم بصاعقةٍ أو بريحٍ صَرصَرٍ أو بحرٍّ شديد أو ببردٍ جليد أو بغير ذلك (وَمَا فِي الأرْضِ ) أي ويعلم ما في الأرض من حوادث وتقلّبات فجائيّة فيُصيبكم ببعضها ويهلككم بزلزال أو بُركان أو سيل أو مرض أو وحشٍ مُفترس من وحوش الأرض أو غير ذلك مِمّا ينتقم به منكم (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) من هذه الحوادث . ونظير هذه الآية في المعنى في سورة الأنعام وذلك قوله تعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ } .
30 - ثمّ رغّبَ سُبحانهُ في عمل الخير وحذّر عن عمل الشرّ فقال تعالى (يَوْمَ) يموت الإنسان (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ) في الآخرة ، أي تجد جزاء أعمالها حاضراً كما وعدهم الله تعالى به في الكتب السماويّة وكما نطقت بهِ رُسُلُهُ . ومثلها في سورة الكهف قوله تعالى {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، (وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ ) يعني وكذلك تجد عقاب أعمالها السيّئة (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ) أي وبين العقاب والعذاب الّذي أصابها في الآخرة (أَمَدًا بَعِيدًا ) أي مسافات بعيدة ، والأمَد مُشتقّ من الإمداد ، وهو المكان المقرّر لوصول الخيل إليه عند المسابقة ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :
إلاّ لِمثْلِكَ أوْ مَنْ أنتَ سَابِقُهُ سبقَ الجوادِ إذا اسْتَولَى على الأمَدِ
يعني إذا وصل المكان الذي ينتهي إليهِ عند المسابقة . وقال الفرزدق :
أرَى الزّعلَ ابنَ عروةَ حينَ يجرِي إذا جارَى إلى أمَدِ الرهانِ
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) إذ حذّرهم عواقب أعمال السوء .
31 - قالت النصارى إنّنا نحبُّ عيسى لأنّ الله يُحبّهُ ، وقال المشركون من العرب إنّنا نحبُّ الملائكة لأنّ الله يُحبّها ، فنزلت هذه الآية ردّاً عليهم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ ) كما تزعمون (فَاتَّبِعُونِي) بما أقول لكم من ترك الأصنام والأنداد واجعلوا عبادتكم خالصةً لله وحده ولا تشركوا بها أحداً من المخلوقين فحينئذٍ (يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين الموحِدين .
32 - (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ ) بما أنزله في القرآن (وَالرَّسُولَ) بما يقوله لكم إن كنتم تحبّون الله كما تزعمون (فإِن تَوَلَّوْاْ ) عنك ولم يسمعوا لقولك (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) بنعمتهِ ولذلك لا يهديهم ولا يحبّهم .
33 - قالت اليهود نحن شعب الله المختار إختارنا الله لعبادته فكيف نؤمن بك يا محمّد ونتبع دِيناً غير دِيننا؟ فنزلت هذه الآية (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ) أي اختار ، ومن ذلك قول عنترة :
كريمٌ في النّوائبِ أرتَجيهِ كما هوَ لِلمعامِعِ يَصْطَفِينِي
( آدَمَ وَنُوحًا ) من قبلكم ولستم أوّل من اختاره الله واصطفاه لعبادته (وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ) يعني واصطفَى ذرّية إبراهيم وأتباعهم ، وإنّ محمّداً من ذرّية إبراهيم فيجب عليكم أن تتّبعوه وتؤمنوا به ، والمسلمون أيضاً اختارهم الله لعبادته فهم أولاد إبراهيم لأنّهم صدّقوا محمّداً وكذّبتم وآمنوا به وكفرتم وأطاعوه وعصيتم موسى نبيّكم وعبدوا الله وحده وأشركتم . قال الله تعالى في سورة الحـج {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ } ، فالمسلمون هم أبناء إبراهيم ، وفي ذلك قال جرير :
أبُونَا خَلِيلُ الله وَالله رَبُّنَا رَضِينا بِما أعْطَى الإلاهُ وقَدّرَا
وقوله (وَآلَ عِمْرَانَ ) أي واختار آل عمران أيضاً من بعدكم ، وهم مريم بنت عمران وابنها المسيح ومن تبعه في زمانه وسار على نهجهِ (عَلَى الْعَالَمِينَ ) أي على سائر الناس ، والمعنى : إنّ الله اصطفى جميع هؤلاء على سائر الناس في زمانهم ، فآل عمران هم النصارى اصطفاهم الله في زمن عيسى ، وآل إبراهيم هم المسلمون اصطفاهم على سائر الناس في زمن محمّد . أمّا أنتم أيّها اليهود فقد أشركتم وعصيتم وخالفتم وعبدتم العجلَ في زمن موسى نبيّكم ، وعبدتم البعل وعشتاروث والشِّعرى اليمانيّة من بعده ، وقتلتم الأنبياء والوعّاظ فرفضكم الله واختار غيركم .
34 - (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) أي أولاداً وأعقاباً بعضها من بعض في التناسل (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالكم أيّها اليهود (عَلِيمٌ) بأفعالكم .
وإليك ما جاء في مجموعة التوراة في ذمّ اليهود وعبادتهم للأصنام وغضب الله عليهم ورفضهم ، فقد جاء في الاصحاح الثاني من سِفرِ قضاة قال:
"وفعل بنو إسرائيل الشرّ في عين الربّ وعبدوا البعليم وتركوا الربّ إلهَ آبائهم الّذي أخرجَهم من أرض مصر وساروا وراء آلهةٍ اُخرى من آلهة الشعوب الّذينَ حولَهم وسجدوا لَها وأغاظوا الربّ ، تركوا الربّ وعبدوا البعل وعشتاروث ... فحمي غضب الربّ على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم" .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |