كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 283) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

283 - (وَإِن كُنتُمْ ) أيّها المتداينون (عَلَى سَفَرٍ ) أي مسافرين وكنتم في الطريق قبل أن تصلوا المدينة (وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا ) للصكّ في الطريق ولا شهوداً تُشهدونهم (فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ) من الْمَدِين ، يعني فعلى الدائن أن يأخذَ رهناً من الْمَدِين ثمّ يُعطيه النقود ، ليقوم الرهن مقام الصكّ (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا ) يعني إذا بعثَ بعض المسافرين أمانة كهدايا أو نقود بيد رفيقهِ في السفر إلى أهلهِ لأنّهُ ايقنَ بأنّ رفيقهُ أمين لا يخون الأمانة ، وذلك لأنّ صاحب الأمانة مشغول لا يمكنه الرجوع إلى أهله في ذلك الوقت أو جندي لا يُسمح لهُ الذهاب إلى أهله (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ) أي فليؤدِّ حامل الأمانة إلى أهل صاحبها الّذي أرسلها (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ ) في خيانتها والطمع بها (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ ) أيّها الشهود إذا دُعيتم للشهادة أمام القاضي (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ ) بسبب نفاق (قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ) من إنكار الدَّين والأمانة وكتمان الشهادة (عَلِيمٌ) فيُعاقبكم عليها ولا يغفرها لكم .

284 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تهديد المنافقين بالعقاب على أعمالهم السيّئة ونواياهم الباطلة الّذينَ يحتالون على الناس ويأخذون أموالهم ويأكلونها بالباطل فقال (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ ) الغازيّة من مواد مُهلكة فيسلّطها على من يشاء أن ينتقم منه ، وذلك كالرياح العواصف وأحجار النيازك والأمطار الغزيرة والصواعق المحرقة والبَرَد (الحالوب) المتلف للزرع والحرّ الشديد والبرد المميت . ثمّ أخذَ سُبحانهُ يبيّن المواد المهلكة الّتي في الأرض فقال (وَمَا فِي الأَرْضِ ) من أسباب مُهلكة وذلك كالخسف والزلزال والبركان الّذي يحرق ويُدمّر المنطقة كلّها ، والسيول الّتي تجرف الرجال والأموال ، والبحار الّتي تغرق البواخر ومن فيها ، والحشرات الّتي تفتك بالأحياء وغير ذلك من الأذى للإنسان والتلف لمالِهِ وماشيتهِ (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ) من نفاق للناس وتعملوا به (أَوْ تُخْفُوهُ ) في صدوركم من غشٍّ أو احتيال أو أخذ رشوة أو إهلاك شيء من أموال الناس أو غير ذلك مِمّا يضرُّ بهم (يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ) عاجلاً أو آجلاً ، يعني يُعاقِبكم عليه في الدُنيا والآخرة ، فكلمة حساب معناها الجزاء على نوع العمل إن كان خيراً فيجازيه بالخير وإن كان سيّئاً يعاقبهُ بالشرّ (فَيَغْفِرُ) بعد العقاب (لِمَن يَشَاء ) أي لمن تاب وأصلح (وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ) أي ويعذّب في الآخرة من مات على نفاقهِ ولم يُصلح أعماله ولا سريرتهُ (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من أنواع العقاب والهلاك (قَدِيرٌ) لا يعجزهُ شيء من ذلك .

285 - لَمّا نزل الوحي على النبيّ (ع) في بادئ الأمر وكذّبهُ قومه وقالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكةً ، وصاروا يسخرون منه ، فحينئذٍ أخذه الشكّ في نفسهِ وتصاغر وقال لو كنتُ نبيّاً لصدّقوني ولَما سخروا منّي ، فأنزل الله تعالى آيات كثيرة يُقوّي بها عزمهُ ويُثبّت بها قلبهُ حتّى أيقن أنّهُ نبيٌّ وقام يدعو إلى الله بقوّةِ قلب وعزيمة ، فنزلت بعدها هذه الآية (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ ) من الوحي (إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ) وقام يدعو إلى الله بعزيمةٍ (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ) منهم (آمَنَ بِاللّهِ ) وحده ربّاً لا يعبد سِواه (وَمَلآئِكَتِهِ) عباداً لله وليسوا بناته كما يزعم المشركون (وَكُتُبِهِ) أي وآمنَ بجميع الكتب السماويّة (وَرُسُلِهِ) يعني وآمنَ بجميع الرُسُل لا ينكر بعضهم كما أنكرت اليهود رسالة عيسى بن مريم ومحمّد ، وأنكرت النصارى رسالة محمّد (لاَ نُفَرِّقُ ) يعني وقال المؤمنون لا نفرّق (بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) بأن نُصدّق بعضهم ونكذّب بعضاً بل نؤمن بجميع الرُسُل الّذينَ أرسلهم الله لهداية الناس (وَقَالُواْ) أي وقال المؤمنون (سَمِعْنَا) قول ربّنا الّذي أنزلهُ في القرآن على نبيّنا (وَأَطَعْنَا) أوامره (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ) أي وقالوا نسألك الغفران عن ذنوبنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) بعد موتنا .

286 - (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) أي لا يكلّف الإنسان شيئاً لا يتمكّن عليه وليس بمقدوره (لَهَا) أجر (مَا كَسَبَتْ ) من حسنات (وَعَلَيْهَا) عِقاب (مَا اكْتَسَبَتْ ) من سيّئات ، فلا يؤاخذ أحدٌ بذنب غيره ، وقالوا (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا ) بالعقاب (إِن نَّسِينَا ) شيئاً من الطاعات (أَوْ أَخْطَأْنَا ) سهواً غير متعمّدين ، وهذا معطوف على ما قبله ، وتقديره : وقالوا ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) "الإصر" كلّ أمرٍ يثقل على الإنسان القيام بهِ ومن ذلك قول النابغة :

                        يا مانِعَ الضَّيْمِ أنْ يَغْشَى سَراتَهُمُ      وحامِلَ الإصْرِ عَنْهُمْ بَعْدَما غَرِقُوا

والمعنى : ولا تحمل علينا أمراً يثقل علينا القيام به (كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذينَ مِن قَبْلِنَا ) أي على الاُمَم الماضية من الأحكام الشاقة (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) من الأحكام ، وذلك كالصّوم الذي يصومه اليهود وهو ثلاث وعشرون ساعة من كلّ يوم يصومونه وتنجيس الحائض عندهم حتّى أنّه من يمسّ فراشها يتنجّس ويجب عليه الغسل ، وعلى زوجها أن يعزل فراشها ولا يجامعها بعد طهرها إلاّ بعد سبعة أيّام فيكون انقطاعه عنها أربعة عشر يوماً ، وغير ذلك من الأحكام الشاقّة (وَاعْفُ عَنَّا ) إن نسينا شيئاً من الطاعات (وَاغْفِرْ لَنَا ) إن أخطأنا سهواً غير مُتعمّدين (وَارْحَمْنَآ ) في الاخرة (أَنتَ مَوْلاَنَا ) أي سيّدنا ومتولّي أمرنا (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .


                                          تمّ بعون الله تفسير سورة البقرة ،
                         في اللّيلة الثالثة عشرة من شهر شعبان سنة 1388 هجرية
                           الموافق الرابع من تشرين الثاني سنة 1968 ميلاديّة ،
                                                 والله وليّ التوفي

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة السورة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم