كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 29) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

29 - (الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ ) أي لهم الذِكريات الطيّبة في الدنيا في الكتُب السماويّة (وَحُسْنُ مَآبٍ ) في الآخرة ، يعني ولهم حُسن المرجع ، فكلمة "طوبَى" مُشتقّة من العادات والذِكريات الطيّبة ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } ، وقال تعالى في سورة النحل {الّذينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } .

30 - نزلت هذه الآية في صُلح الحديبية حين أراد المشركون كتاب الصُلح ، فقال رسول الله لعليّ : " اُكتب بسم الله الرحمان الرحيم" ، فقال سهيل بن عمرو والمشركون : "ما نعرف الرحمان ، اُكتب باسمك اللّهمّ " ، وهكذا كان أهل الجاهليّة يكتبون ، ثمّ قال رسول الله : " اُكتب هذا ما صالحَ عليهِ محمّد رسول الله " ، فقال مشركو قُريش : "لئن كنتَ رسول الله ثمّ قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك ، ولكن اكتب هذا ما صالح محمّد بن عبد الله" .

(كَذَلِكَ) أي كما أرسلنا رُسُلاً في اُمَمٍ فكذّبوهم كذلك (أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ ) أي قد مضَتْ (مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ ) كثيرة كذّبت رُسُلها (لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ ) أي لتقرأ عليهم القرآن (الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ ) أي يُنكرونهُ لأنّهم لم يعرفوا قبل ذلك أنّ كلمة "رحمان" من أسماء الله وصفاتهِ (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ ) في الكون (إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) في نشر الدعوة إلى عبادتهِ (وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) يعني وإلى الرحمان توبتي .

31 - نزلت هذه الآية في نفرٍ من مُشركي العرب منهم أبو جهل بن هشام وعبد الله بن اُميّة المخزومي ، جلسوا خلف الكعبة ثمّ أرسلوا إلى النبيّ (ع) فأتاهم فقال لهُ عبد الله بن اُميّة : "إنْ سَرّكَ أن نتّبعك فسيّر لنا جبال مكّة بقراءتِكَ القرآن فأذهِبها عنّا حتّى تتفسّح فإنّها أرضٌ ضيّقة واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً فنُصدّقك ونتّبعك ، أو أحيِ لنا جدّكَ قصيّاً أو مَن شئتَ من موتانا لنسألهُ أحقّ ما تقول أم باطل!" فنزلت هذه الآية :

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ) كما اقترحوا عليك يا محمّد (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ) وتفجّرت منها الينابيع (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) كما اقترحوا وأجابتهم موتاهم بإنّ محمّداً على حقّ ، لم يؤمنوا بك يا محمّد ولم يُصدّقوك إلّا أن يشاء الله . ونظيرها في سورة الأنعام قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } . وقوله (بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ) يعني أمرُ هدايتهم وإضلالهم وكذلك تسيير الجبال وتقطيع الأرض بيد الله وهو قادر على ذلك ولكن هذا لا يكون إلاّ عند اقتراب القيامة .

كان بعض المسلمين يدعون أقاربهم من المشركين إلى الإسلام ويأملون أن يُسلموا فإذا صادفوهم في ميدان القتال تردّدوا عن قتالهم ، فنزل قوله تعالى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُواْ ) من إيمان أقربائهم المشركين ويُقاتلوهم بعزمٍ وشِدّةٍ ولا يتماهلوا عن قتالهم (أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) ولكنّ الله يهدي من كان أهلاً للهداية ويُضلّ من يستحقّ الإضلال ، فلا تتراجعوا عن قتالهم لأنّهم لا يُسلمون (وَلاَ يَزَالُ الّذينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ) معكم أيّها المسلمون حيث أخرجوكم من مكّة وآذَوكم ، تصيبهم (قَارِعَةٌ) وهيَ الشِدّة الّتي تقرع أبوابهم وديارهم من قتلٍ ونهبٍ أو مرض وموت أو قحط وجدب أو غير ذلك من مصائب الدنيا (أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ ) وهي الوحوش الضارية ، يعني تسكن الجبال القريبةَ منهم وتهجم عليهم ليلاً فتأكل أنعامهم ودجاجهم ، وهيَ الذئاب والثعالب والثعابين والاُسود ، وقد افترس الأسد بعضهم وأكلهُ (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ ) بالنصر للمؤمنين (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) وقد أنجز الله وعدهُ للمؤمنين بالنصر على الكافرين وشتّتَ شمل المشركين .

32 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ) أي أمهلتهم ليتوبوا ولكنّهم ازدادوا كفراً (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) بالعذاب والهلاك (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) يعني كيف وجدوا ما وعدتُهم بهِ من العقاب؟

33 - (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ ) أي رقيبٌ (عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) من حسناتٍ أو سيّئات فيرى أعمالها ويُحصي أفعالها كمن هو جماد لا يعقل ولا يُبصر فتجعلونهُ شريكاً مع الله في العبادة وتعبدونهُ؟ اُنظُرْ يا محمّد إلى هؤلاء المشركين كيف جعلوا من تلك الأحجار شُفعاء بزعمهم (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ) من تلك الأصنام (قُلْ) لهم يا محمّد (سمُّوهُمْ) بأسمائهم الحقيقيّة ، أي اُذكروا لي إسم المادّة الّتي صنعتم منها الأصنام لنرى هل هيَ خالقة أم مخلوقة وهل هيَ عالمة بما هو موجود على الأرض وما هو في السماء أم هيَ أحجار؟ فإن قالوا أحجار فقل كيف إذاً تعبدون الأحجار وقد صنعتموها بأيديكم؟ (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ ) يعني أم تُخبرون الله بذلك وتَفرِضون عليه بما تهوى أنفسكم ، فلو فكرّتم وتدبّرتم (بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ) من مخلوق ، أي تنبّئون الله بالأصنام التي لا تعلم بما في الأرض من مخلوقات ولا علِم لها بتعدّد اللّغات ، فهل تعلمُ الكلام الخفي للحيوان (أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ) يعني أم تفهم الكلام الظاهر المسموع ؟ كلّا إنّها جماد لا تعلم بالكلام الخفي ولا الصوت الملي ، ومن يعبد الأحجار فهو ضالّ عن طريق الحقّ (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ ) أي زيّن الشيطان لهم أعمالهم الباطلة فمكروا معكَ (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ) أي وصدّهم الشيطان عن الإيمان (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يهديهِ إلى طريق الحقّ .

34 - (لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) بالمرض والشدائد والأسر والقتل (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ ) عليهم ، أي أشدّ وأعظم (وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ) يقيهم العذاب .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم