كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الحج من الآية( 31) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

31 - (حُنَفَاءَ) أي موحِّدين في العبادة (لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ ) يسقط في الهاوية ويستولي عليهِ الشيطان في عالم البرزخ (فَكَأَنَّمَا) بهِ وقد (خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ) يعني من يُشرك بالله فقد عرّضَ نفسهُ للخطر وألقَى بها في الهاوية وذلك كالنفوس الّتي تعبث بها الشياطين وتضحك عليها فتصعد بها إلى السماء لتسترق السمع فإذا رأت شهاباً تبعها أو ملَكاً طردها خَرّتْ إلى الأرض مُسرعة (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ) يعني إذا صادفها طير في طريقها خطفها فمزّقَ أحشاءها لأنّهُ يدخل في بطنها ويخرج من ظهرها أو عكس ذلك ، فالخطف معناه الإصابة بسرعة من حيث لا يشعُر ، ومن ذلك قول عنترة :

                          ولَكَمْ خَطِفْتُ مُدَرَّعاً مِنْ سَرْجِهِ      في الحرْبِ وهْوَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَشْعُرِ

وقال أيضاً :
                                   سَتَعْلَمُ أيُّنا يَبْقَى طَرِيحاً      تَخْطَفُهُ الذَّوابِلُ والنُّصُولُ

يعني تمرّ من فوقهِ نصول السهام وذوابلها . وقال زهير يصف قطاة يتبعها صقر ليصيدها :

                         عِنْدَ الذُّنابَى لَهَا صَوْتٌ وأَزْمَلَةٌ      يَكادُ يَخْطَفُها طَوْراً وتَهْتَلِكُ

(أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) يعني أو تصادفها رياح عاصفة فتحمل تلك النفس إلى مسافات بعيدة وتُلقي بها في مكانٍ عميق فتسقط بين الصخور أو في وادٍ من الوديان فتتكسّر وتتألّم وذلك لأنّها اتّبعت قول الشيطان ولم تسمع لوصايا الرحمان . فالسحيق معناه البعيد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الملك {فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ } أي أبعدهم الله عن رحمتهِ . وقال زُهير :

                            كَأَنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ      مِنَ النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا

أي تسقي بستاناً بعيدة . وقال يصف ناقة تستقي الماء من البئر :

                           لَها مَتاعٌ وأَعْوانٌ غَدَوْنَ بِهِ      قِتْبٌ وَغَرْبٌ إذا ما أُفْرِغَ انْسَحَقَا

يعني إذا اُفرغ ماء الدلو سقطَ إلى البئر .

32 - (ذَلِكَ) الخطف من الطير والهويّ في مكانٍ سحيق من جملة العذاب للمشركين في عالم البرزخ (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) أي معالم دينهِ من الفرائض والسُنن (فَإِنَّهَا) أي تعظيمها (مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) يعني من إيمان القلوب بها فلذلك تُعظّمها وتتّقي عذاب الله في تركها .

33 - (لَكُمْ فِيهَا ) أي في إقامتها وأدائها (مَنَافِعُ) يا أهل مكّة لِما لكم من الربح في ذلك (إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) يعني إلى انقضاء وقت الحجّ ، والمنافع لأهل مكّة بما ينتفعون بهِ من الحاجّ (ثُمَّ مَحِلُّهَا ) أي الإحلال من الإحرام (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) يعني ينتهي بالطواف الأخير في بيت الله القديم ، وهو طواف الوداع .

34 - (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ ) من الاُمَم (جَعَلْنَا مَنسَكًا ) أي بيتاً للعبادة يعبدون الله فيهِ (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) يعني يذكرون اسم الله على ذبحها عند تقدمتها كقربان (فَإِلَهُكُمْ) أيّها الناس (إِلَهٌ وَاحِدٌ ) وإن اختلفت أديانكم ومذاهبكم وأجناسكم ولغاتكم (فَلَهُ أَسْلِمُوا ) أي استسلموا لأمرِه وانقادوا لدينهِ (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) أي الساكنة نفوسهم بغير شكّ والمطمئنّة قلوبهم بما وعدهم الله من الأجر والثواب في الآخرة ، وقد سبق شرح هذه الكلمة في سورة هود أيضاً عند قوله تعالى {وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ } في آية 23 .

35 - (الّذينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ) عندهم بأنّه شديد العقاب (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) يعني خافوا من عِقابهِ (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ) من مكروه في طاعة الله (وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ) يعني المداوِمين عليها (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) أي يتصدّقون على الفقراء والمحتاجين .

36 - (وَالْبُدْنَ) هي الإبل والبقر السِمان ، مُفردها بدينة وبادن ، أي ذات جسمٍ كبير ضخم ، وجمعها بُدن ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                ومِثْلِكِ خَوْدٍ بادِنٍ قدْ طَلَبْتُها       وساعَيْتُ مَعْصِيّاً لَدَيْنا وُشاتُهَا

(جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ ) أي جعلنا ذبحها من جُملةِ علائم الطاعة ، يعني من جملة الطاعات الّتي تؤجَرون عليها ، وهي الضحيّة يذبحها الحاجّ عند رجوعهِ إلى أهلهِ ، ويمكن تأجيلها إلى السنة القادمة إذا لم يتيسّر لهُ في سنتهِ (لَكُمْ فِيهَا ) أي في ذبحها وتوزيع لحمها على البائس والفقير (خَيْرٌ) في الدنيا وأجرٌ في الآخرة (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ) عند الذبح ، فتقول "اللهُ أكبر ، لا إلاه إلا الله والله أكبر ، اللّهمّ منكَ وإليك" (صَوَافَّ) أي مصفوفة يداها ورجلاها مُقيّدة بالحبل فتُنحَر ، وهذا خاصّ في البقر (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) أي سقطت على جنبها على الأرض بعد نحرها (فَكُلُوا مِنْهَا ) إن شئتم (وَأَطْعِمُوا) منها (الْقَانِعَ) يعني أطعِموا الفقير القانع بما أعطاهُ الله ويسّر لهُ (وَالْمُعْتَرَّ) أي وأطعِموا الفقير الْمُعترّ ، وهو الّذي يسأل ويطرق الأبواب ، والشاهد على ذلك قول زهير :

                         على مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ      وعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ

(كَذَلِكَ) أي كما جعلنا لكم فيها خيراً كذلك (سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ) أي ذلّلناها لكم فلا تمتنع من الذبح بخلاف السباع ولتنتفعوا بركوبها وحملها ونتاجها نِعمةً منّا عليكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الله على نَعمائهِ .

37 - (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) أي لا يُريد الله لحومها فأوصاكم بذبحها ولا دماءَها ولكن يُريد أن تتّقوهُ وتطيعوا أوامره (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ ) يعني كما جعلها مُطيعة لكم كذلك يريد أن تطيعوهُ و (لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) أي على هدايتهِ لكم إذ كنتم ضالّين عن طريق الحقّ فهداكم إليهِ (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الضعفاء بدخول الجنّة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم