كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 32) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

32 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ) أي أمهلتهم ليتوبوا ولكنّهم ازدادوا كفراً (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) بالعذاب والهلاك (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) يعني كيف وجدوا ما وعدتُهم بهِ من العقاب؟

33 - (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ ) أي رقيبٌ (عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) من حسناتٍ أو سيّئات فيرى أعمالها ويُحصي أفعالها كمن هو جماد لا يعقل ولا يُبصر فتجعلونهُ شريكاً مع الله في العبادة وتعبدونهُ؟ اُنظُرْ يا محمّد إلى هؤلاء المشركين كيف جعلوا من تلك الأحجار شُفعاء بزعمهم (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ) من تلك الأصنام (قُلْ) لهم يا محمّد (سمُّوهُمْ) بأسمائهم الحقيقيّة ، أي اُذكروا لي إسم المادّة الّتي صنعتم منها الأصنام لنرى هل هيَ خالقة أم مخلوقة وهل هيَ عالمة بما هو موجود على الأرض وما هو في السماء أم هيَ أحجار؟ فإن قالوا أحجار فقل كيف إذاً تعبدون الأحجار وقد صنعتموها بأيديكم؟ (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ ) يعني أم تُخبرون الله بذلك وتَفرِضون عليه بما تهوى أنفسكم ، فلو فكرّتم وتدبّرتم (بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ) من مخلوق ، أي تنبّئون الله بالأصنام التي لا تعلم بما في الأرض من مخلوقات ولا علِم لها بتعدّد اللّغات ، فهل تعلمُ الكلام الخفي للحيوان (أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ) يعني أم تفهم الكلام الظاهر المسموع ؟ كلّا إنّها جماد لا تعلم بالكلام الخفي ولا الصوت الملي ، ومن يعبد الأحجار فهو ضالّ عن طريق الحقّ (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ ) أي زيّن الشيطان لهم أعمالهم الباطلة فمكروا معكَ (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ) أي وصدّهم الشيطان عن الإيمان (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يهديهِ إلى طريق الحقّ .

34 - (لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) بالمرض والشدائد والأسر والقتل (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ ) عليهم ، أي أشدّ وأعظم (وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ) يقيهم العذاب .

35 - (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) كالجنان الّتي عندكم في الدنيا من حيث الأشجار المثمرة ، ولكن الفرق بينهما أنّ الّتي عندكم مادّية تيبس أشجارها وتموت ، والّتي عندنا أثيريّة لا تيبس ولا تموت أشجارها فهي باقية إلى الأبد (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ ) أي ما يؤكل من أثمارها دائم في الأشجار في كلّ حين حيث لا صيف في الجنّة ولا شتاء بل ربيعٌ وخريف على الدوام (وِظِلُّهَا) دائم أيضاً لأنّها ثابتة في مكانها في الفضاء لا تدور حول نفسها كما تدور الأرض لكي ينتقل عليها الظِلّ من مكان إلى مكانٍ آخر (تِلْكَ) الجنان (عُقْبَى الّذينَ اتَّقَواْ ) المعاصي ، أي تلك عاقبتهم يتنعّمون في الجنان (وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ) يُعذّبون فيها .

36 - (وَالّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) يعني اليهود والنصارى الّذينَ أسلموا وآمَنوا بمحمّد (يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من القرآن عند سماع آية أو سورة لأنّه يدعو إلى التوحيد كما تدعو توراتهم إلى التوحيد ونبذ الأصنام (وَمِنَ الأَحْزَابِ ) يعني من العرب (مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ) يعني ومنهم من يعترض على الآيات المتشابهة الّتي لا يفهم معناها فيُنكرها (قُلْ) يا محمّد (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ ) وحدهُ (وَلا أُشْرِكَ بِهِ ) شيئاً (إِلَيْهِ أَدْعُو ) يعني إلى عبادتهِ أدعو الناس (وَإِلَيْهِ مَآبِ ) يعني وإليهِ مرجعي ومصيري بعد موتي فيُجازيني على قيامي بالدعوة إلى دينهِ .

37 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أنزلنا الكتب السماويّة بلسان قومهم كذلك القرآن (أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ) لتحكمَ بينهم بما أنزل اللهُ فيهِ من أحكام (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بالحقائق (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمرك (وَلاَ وَاقٍ ) يقيك شرّهم .

38 - قال بعض المشركين من العرب لو كان محمّد نبيّاً لَما تزوّج بتلك النِسوة ، ألم يكن عيسى أعزباً لم يتزوّج ؟ ولو كان نبيّاً لجاءنا بالمعجِزات كما جاء بها موسى وعيسى ، فنزلت هذه الآية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) وهم نوح ولوط وإبراهيم وموسى وهارون وداوُد وسُليمان وزكريّا وإسحاق ويعقوب وغيرهم كثيرون ولم يكن فيهم أعزب سِوى يحيى وعيسى ، فلماذا يستنكر هؤلاء المشركون زواجَك يا محمّد؟ وما ذلك إلاّ لجهلهم بالاُمور

وكذلك جهلهم بعواقب المعجزات الّتي طلبوها منك ، ولكنّ الله عالمٌ بعواقب الاُمور وعالِمٌ بالمعجزات الّتي تصلح لكلّ زمان وللرسول الّذي يأتي بها وللاُمّةِ الّتي يُبعث لها (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ) أي بمعجزةٍ من تِلقاء نفسهِ ولا يمكنهُ ذلك (إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني إلاّ المعجزة الّتي يُعطيها لهُ يأتي بها إلى قومهِ ولا يمكنهُ أن يأتي بغيرها . مثَلاً لو أنّ فرعون قال لموسى أنا لا أقبل منك هذه العصا ترميها على الأرض لتكون حيّة بل أعطيك عصا غيرها وأنتَ ألقِها على الأرض لتكون حيّة ، فإذا رماها موسى على الأرض لا تكون حيّة . وهكذا كلّ نبيٍّ لهُ معجزة خاصّة من الله لا يمكنهُ أن يأتي بغيرها من نفسهِ إلا بإذن الله ، ثمّ كلّ اُمّةٍ يُناسب لها نوع من المعجزات وذلك لاختلاف الأزمنة والألسُن والعقائد والمعلومات الّتي اكتسبتها تلك الاُمّة ، وهذا معنى قوله تعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) "الأجل" هو الوقت والزمن ، والمعنى : لكلّ زمن نوع من المعجزات الّتي تناسب ذلك الزمن وكتاب يُناسب ذلك العصر ورسول يُناسب تلك الاُمّة ، فالعصا تُناسب زمن فرعون لأنّ السِحرَ كان منتشراً عندهم فجاء موسى بالعصا فأبطلَ سِحرهم ، وإحياء الموتَى يُناسب زمن عيسى لأنّ الطِبّ كان منتشراً عندهم فعجزت الأطبّاء أن تأتي بما أتى بهِ عيسى من إبراء الأكمه والأبرص ، والقرآن يُناسب العرب ووقتهم لأنّهم أهل فصاحةٍ وبلاغة فلذلك قال الله تعالى [في سورة الطور] {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم