كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
32 - (وَاضْرِبْ لَهُم ) أي للمشركين (مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ ) وهما من أولاد سبأ بن يشجُب بن يعرب بن قحطان ، وسُكناهما باليمن ، وكان أحدهما مُشرِكاً والآخر موحِّداً مؤمناً (جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) أي بستانين للمُشرك منهما (مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مُحيطاً بهما ،
ومن ذلك قول عنترة يصف بعض النساء :
حَفَّتْ بهنّ مَناصِلٌ وذَوابِلٌ ومَشَتْ بهنَّ ذَوامِلٌ ونَواجِ
يعني أحاط الرجال بهنّ يحرسونهنّ (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا ) أي بين الجنّتين (زَرْعًا) أي مزرعة .
33 - (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ) وافياً ، أي ما يؤكل منها وهو الثمر (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) أي لم تنقص منه شيئاً . (وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ) أي أجرَينا بين الجنّتين نهر ماء .
34 - ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) جمعَهُ من الجنّتين ليبيعهُ ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ ) المؤمن (وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) أي يُفاخِرهُ ويُجادِلهُ (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) أي أعزّ خدماً وأولاداً .
35 - (وَدَخَلَ) المشرك (جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) بإشراكه ومنع حقوق الفقراء من جنّتيهِ (قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ ) أي تتلف (هَذِهِ) الجنّة (أَبَدًا) .
36 - (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) يعني وما أظنّ أنّ قيامةً تقوم ويُحاسَب الناس ويجازَون على أعمالهم فيقولون أنفِقْ على الفقراء والله يعطيك في الجنّة (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ ) في الآخرة (خَيْرًا مِّنْهَا ) أي أحسن من هذه الجنّة (مُنقَلَبًا) يعني عند موتي ورجوعي إلى الآخرة ، كلاّ ما هذه إلاّ أقوال لا صحّة لها .
37 - (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ ) المؤمن (وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ) أي من عناصر أرضيّة بأن امتصّتها الأشجار من الأرض فصارت فاكهة وأثماراً فأكلها أبوك فصارت نطفة في صُلبهِ ثمّ تحوّلت إلى رحم اُمّك ثمّ خلقك بشراً سويّاً ، وهذا معنى قوله تعالى (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) .
38 - (لَّكِنَّا) أي لكنّني أعترف (هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ) .
39 - (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ) شكرتَ الله تعالى على ما أعطاك من النِعم لزادك نِعمةً و (قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) أي لا قوّةَ لي على تحصيل هذه الأثمار إلاّ بإرادة الله ومُساعدتهِ ، وكلمة "لا" من قوله (َلَوْلَا) نافية ، ومعناها لكنّك لم تشكر الله ولم تُخلص له بالعبادة بل أشركتَ معه الأصنام (إِن تُرَنِ ) يعني ألم ترني (أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ) وأشكر الله تعالى على ما أنعم به عليّ ولم أكفر ، وأنفِقُ على الفقراء في سبيل الله ولم أبخلْ .
40 - (فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا ) أي على جنّتهِ (حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء ) أي عذاباً من السماء لم تحسبهُ ولم يخطر على بالك . وهذا مِثل قوله تعالى في سورة الطلاق {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } ، (فَتُصْبِحَ) جنّتكَ (صَعِيدًا زَلَقًا ) أي تصبح أرضاً صبخاء خالية من الأشجار والأثمار حتّى أنّ الماشي عليها يزلق لشدّة سَبختها وملوحتها .
41 - (أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ) أي غائراً في الأرض لا يخرج من العين (فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) يعني لا يعود الماء يخرج من العين مهما وسّعتَ العين وحفرتَ الأرض وأزَلْتَ الرمل والحصَى . وانتهت المحاورة بينهما . ثمّ قال الله تعالى :
42 - (وَأُحِيطَ) التلف (بِثَمَرِهِ) الّذي جمعهُ من الجنّتين (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ) تأسّفاً وندماً (عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا ) من المال ، وهذا مثَل يُضرَب عند العرب في خسارة أو ضررٍ لم يكن يتوقّعهُ ، فيقلّبُ كفّهُ ويشمّها ويقول لم أكن أشمُّ قفا يدي ، ولا تزال هذه العادة موجودة عندنا في العراق ، والمعنى : لم أكن أعلم أنّ الأمر يصل إلى هذه الحال وإلى ما صرتُ إليهِ من مكروه (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) أي مُتداعية سقطتْ أبنيتها على أشجارها وأشجارها على أبنيتها ، فإنّ الله تعالى أرسل السيل على جنّتيهِ فذهبت أثمارهما وسقطت أشجارهما وتداعت جدرانهما وخسِرَ ما أنفق فيهما (وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ) .
43 - (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ) يعني لم تكن لهُ جماعة يدفعون عن أمواله السيل ويُخلّصونها من الغرق (وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا ) على صاحبهِ بكثرة المال والنفَر .
44 - (هُنَالِكَ) أي في تلك الحالة وفي ذلك الوقت تكون (الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ) يعني وقت الشِدّة تكون النُصرة من الله لمن كان على الحقّ ، والخذلان والدمار لمن كان على الباطل ، يعني النُصرة للمؤمن بالله والدمار للكافر بهِ (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا ) للمؤمنين في الدنيا (وَخَيْرٌ عُقْبًا ) يعني وخيرٌ لهُ في الآخرة .
45 - ثمّ ضرب الله مثَلاً للمُعتزّين بالدنيا فقال تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم ) يا محمّد (مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وسرعة زوالها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) وهو المطر (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ) أي نبتَ بذلك الماء نباتٌ التفّ بعضه ببعض يروق حُسناً وغضاضةً فلم يبقَ إلاّ أيّاماً قليلة وجاء الصيف فَيَبَسَ واصفرّ من شِدّة الحرّ والعطش (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا ) أي مُتهشّماً مُتكسّراً (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ) أي تمزّقهُ الرياح وتفرّقهُ في الأرض ، فكذلك الدنيا لا تدوم لأحدٍ فلا تغترّوا بها (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من الإنشاء والتدمير (مُّقْتَدِرًا) لا يصعب عليه شيء من ذلك . وهذا المثَل ضربه الله تعالى لأغنياء قريش الّذينَ يستنكفون أن يجالسوا الفقراء من المؤمنين .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |