كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
33 - (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) معناهُ يا ربّ إنّ السجن أحبّ إليّ وأسهل عليّ مِمّا يدعونني إليهِ من الفاحشة . وذلك لأنّ النِسوة أحببنهُ وطمعنَ فيهِ وقلنَ لهُ أجب مولاتك فيما تدعوك إليهِ ، وأردنَ بذلك مُساعدة زليخا على يوسف لكي تُساعدهنّ هيَ أيضاً وتأذن لهُ في زيارتهنّ إن سمع لقولهنّ وقضى حاجة زليخا (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ) بإلطافك ، يعني كيد النسوة (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) أي أميل إليهنّ لأنّي في زمن الصِبا وفي دَور الشباب ، ومن ذلك قول جرير:
ألا تَذكُرُ الأزْمانَ إذْ تَتْبَعُ الصِّبَا وإذْ أنْتَ صَبٌّ وَالهوَى بكَ جامِحُ
(وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) لعواقب الاُمور .
34 - (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لدعاء المخلصين من عِبادهِ (الْعَلِيمُ) بنواياهم وأسرارهم .
35 - (ثُمَّ بَدَا لَهُم ) رأيٌ آخر ، يعني لزليخا وزوجها والقاضي بعد المشاورة (مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ) على صِدقهِ وبراءتهِ (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) يعني إلى ثلاث سنين ، وأرادوا بسجنهِ أن يوهموا الناس بأنّهُ هو الجاني وليس زليخا ، فسجنوه .
36 - (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ) أحدهما ساقي الملك والآخر خبازهُ (قَالَ أَحَدُهُمَآ ) وهو الساقي (إِنِّي أَرَانِي ) في المنام (أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ) وهو الخبّاز (إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) بتأويل الرؤيا .
القصّة : إنّ ساقي الملِك والخبّاز أجرما إلى ملِك مصر فأمرَ بسجنهما فسُجنا مع يوسف ، فرأى الساقي حلماً فقصّهُ على يوسف فقال : "رأيتُ في المنام كأنّ لي جفنةَ كَرْمٍ بين يديّ وفي الجفنة ثلاثة قُضبانٍ وكأنّي بها أفرعت وأقلعت ونضجت عناقيدها وصارت عنباً ، وكانت كأس الملِك في يدي فأخذتُ العنبَ وعصرتُهُ في كأس الملِك وناولتُهُ إيّاها" . فقال لهُ يوسف : "إنّ القضبان الثلاثة هيَ ثلاثة أيّام ، فبعد ثلاثة أيّام تخرج من السجن وترجع إلى منزلتك وتُناول الملِك كأسهُ كالعادة الأولى حين كنتَ ساقيهِ ، فإذا جادَ أمرك فاذكرني في نفسك واصطنع إليّ رحمةً وأجرِ ذكري لدى الملِك وأخرجني من هذا السجن لأنّي قد خُطِفتُ من أرض العبرانيّين وهاهُنا أيضاً طرحوني في هذا السجن من غير أن أفعل شيئاً ."
وقال رئيس الخبّازين : "رأيتُ أنا أيضاً حُلماً كأنّ ثلاث سلال حواري على رأسي وفي السلّة العُليا خبزاً والطير تأكلهُ من السلّة من فوق رأسي ." فأجاب يوسف وقال : "الثلاث سلال هي ثلاثة أيّام ، بعد ثلاثة أيّام يصلبك الملِك على خشبة فتأكل الطير لحمك ."
فكان في اليوم الثالث يوم مولد فرعون أنّهُ صنع مأدُبةً لكلّ عبيدهِ فردّ رئيس السُقاة إلى سقايتهِ فناول فرعون الكأسَ ، وأمّا رئيس الخبّازين فصلبهُ على خشبةٍ كما عبّر يوسف لهم الرؤيا ، ونسيَ رئيس السُقاة يوسف ولم يذكرهُ عند الملِك .
37 - (قَالَ) يوسف حين عبّرَ لهما الرؤيا (لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ) كما رأيتما في المنام (إِلاَّ) كما (نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ) في اليقظة (قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ) التأويل ، فقالا لهُ كيفَ عرفتَ ذلك ولستَ بكاهن ؟ قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ) قالا : "ومن ربّك من هذه الأصنام ؟ إرشدنا إليهِ كي يُعلّمنا تعبير الرؤيا كما علّمك" ، قال (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ ) مُشركين يعبدون الأصنام (لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) وحده بل يُشركون بهِ (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) أي مُنكرون للبعث والحساب .
38 - (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا ) أي لا ينبغي لنا (أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ) فلا نعبد الأصنام ولا الأوثان (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ) الموحِدين (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) نِعم الله عليهم . وهذا كان جواباً لهم على سؤالهم : من ربّك ؟ فقال لهم أنا لا أعبد الأصنام ولا آبائي تعبد الأصنام بل نعبُد الله ربّ السماوات والأرض فهو الّذي علّمني تعبير الرؤيا ، فإن أردتم أن تكونوا مِثلي فاعبُدوا الله وحدهُ واتركوا عبادة الأصنام يُعطِكم ما أردتم . ثمّ قال لهما :
39 - (يَا صَاحِبَيِ) في (السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ ) من حجر وفضّة ونحاس لا تضرّ ولا تنفعُ (خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الّذي يُحيي ويُميت وبيدهِ كلّ شيء ؟
40 - (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) يعني إنّ الأصنام الّتي تعبدونها وجعلتم لها أسماء فهيَ فارغة من المعاني لا حقيقة لها ، ما أنزل الله من حُكمٍ بعبادتها في كتاب من الكتب السماويّة (إِنِ الْحُكْمُ ) في العبادة (إِلاَّ لِلّهِ ) يعني لا يجوز لأحدٍ أن يعبدَ شيئاً بهوى نفسه إلاّ بما حكم الله وأمرَ بهِ في الكتب السماويّة (أَمَرَ) فيها (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ) وحدهُ (ذَلِكَ) أي الّذي بيّنتُ لكم من عبادة الله وحدهُ وترك عبادة الأصنام هو (الدِّينُ) للنبيّ يعقوب (الْقَيِّمُ) على أولادهِ وقومهِ (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) الحقيقة .
41 - (يَا صَاحِبَيِ ) في (السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ ) أي سيّدهُ ، يعني الملِك (خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن ) لحم (رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) من أمر الرؤيا .
42 - (وَقَالَ) يوسف (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ) يعني للساقي (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) يعني عند الملِك كي يُخرجني من السجن لأنّي غير مُذنب (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) يعني أنسَى يوسف أن يذكر الله ويدعوهُ لنجاتهِ من السجن حتّى التمسَ من الساقي أن يذكرهُ عند الملِك (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) جزاءً على تلك الكلمة ، أي بقيَ يوسف في السجن ثلاث سنين اُخرى ، لأنّهُ قد أمضى سنة واحدة قبل أن يُعبّر الرؤيا للساقي ولَمّا خرج الساقي من السجن نسيَ أن يذكر يوسف عند الملِك حتّى رأى ما رأى من البقرات السبع فكانت المدّة سنتين فصار المجموع ثلاث سنين .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |