كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النّور من الآية( 33) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

33 - (وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) يعني وليصبر الّذينَ لا يجدون مالاً ليتزوّجوا بهِ وليكونوا أعفّاء عن الزِنا ولا يقربوهُ حتّى يُعطيهم الله من المال أو يجعل لهم سبباً لتحصيلهِ

(وَالّذينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ) أي يطلبون المكاتبة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) من العبيد والخدم (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) أي أمانةً وقدرةً على القيام بالعمل ، والمعنى: أعطوهم من المال ليشتغلوا بهِ ويكسبوا لكم في التجارة أو في الصناعة إن علمتم فيهم أمانة وقدرة على العمل . وقد سبق شرحها في سورة النساء في آية 33 عن قوله تعالى {وَالّذينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } ، وقوله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) أي أعطوهم حصّة من المال الّذي ربحوا بهِ في التجارة أوالصناعة

(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ ) أي بناتكم (عَلَى الْبِغَاءِ ) أي لا تلجئوهنّ إلى إتيان الزِنا إن أردنَ زواجاً . فالبغاء هو الزِنا ، والباغية هي الزانية ، والمعنى: لا تضطروهنّ إلى أن يكنّ زانيات بسبب منعكم إيّاهنّ من الزواج إن أردنهُ ، وذلك قوله تعالى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) فالمحصَنة هي المتزوّجة لأنّ الزوج يكون للزوجة كالحصن المنيع (لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي لتطلبوا بذلك المال الّذي هو عرَضٌ زائل ، والمعنى: لا تمنعوهنّ من الزواج فتوقِعوهنّ في الزِنا بسبب طلبكم المهر الكثير الّذي لا يستطيع الرجل أن يؤدّيهِ والاستئثار بالراتب الشهري الّذي تتقاضاهُ المعلّمة أو العاملة (وَمَن يُكْرِههُّنَّ ) على ذلك بسبب منعهنّ من الزواج (فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ ) لهنّ إن تُبنَ (رَّحِيمٌ) بعبادهِ المظلومين .

34 - (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ ) في الأحكام (مُّبَيِّنَاتٍ) أي مُفصّلات (وَمَثَلًا مِّنَ الّذينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ ) لتعتبروا بها وتفكّروا (وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) لتتّعِظوا وتتجنّبوا المنكَرات .

35 - (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) "النور" هو الهداية ، والمعنى: هو الهادي لمن في السماوات والأرض وذلك بواسطة الرُسُل الّذينَ يُرسلهم إلى الناس ليرشدوهم إلى طريق الحقّ ، ومن ذلك قوله تعالى في هذه السورة {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } والمعنى: ومن لم يجعل الله له هادياً فما له من هادٍ .

(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) "المشكاة" غرفة صغيرة تكون فوق الغُرف أو فوق الممرّ تشرف على الدار أو تكون على الطريق ، وتسمّى اليوم عند الناس "كبشكان أو كمشكان" فإذا وُضِعَ فيها مصباح أضاءَ الدار فيهتدي أهل الدار بضوئهِ ليلاً ، وإذا كانت المشكاة تطلّ على الطريق أضاء المصباح للمارّة فيهتدون إلى طريقهم بضوئهِ ، وهذا مثَلٌ ضربهُ الله تعالى للناس فشبّهَ محمّداً بالمصباح ومكّة بالمشكاة والملائكة بالزجاجة الّتي تحفظ المصباح من المؤثّرات الخارجيّة . والدليل على أنّ المصباح يريد بهِ محمّداً قوله تعالى في سورة الأحزاب {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} . فالسراج هو المصباح .

ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّه جعل لرسوله حَفَظَة تحرسهُ من أعدائهِ ومن الجنّ والشياطين فقال (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) تحفظهُ من المؤثّرات الخارجيّة ، ويريد بالزجاجة الملائكة لأنّها تحيط بالنبيّ وتحرسهُ كالزجاجة الّتي تحفظ المصباح . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ } أي يحفظون النبيّ من الجنّ والشياطين . ثمّ بيّنَ قوّة تلك الزجاجة في الدفاع والذّود عن المصباح فقال تعالى (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) في رجم الشياطين ومنعهم من الصعود إلى السماء ، فالكوكب الدرّي هو الشهاب المشتعل ليلاً ، والشاهد على ذلك قول النابغة يصف ثوراً :

                              إنقضَّ كالكوكبِ الدُّرِّيِّ مُنْصَلِتاً      يَهْوِي ويَخْلِطُ تَقْرِيْباً بِإحْضَارِ

والمعنى: إنّ الزجاجة تحفظ المصباح وتدفع عنهُ المؤثّرات الخارجيّة كما أنّ الشهاب يطرد الشياطين ويمنعهم من الصعود إلى السماوات الأثيريّة . فإنّ الله تعالى بيّنَ في هذه الآية بأنّه يهدي الناس إلى طريق الحقّ بواسطة الرُسُل وقد أرسلَ لهم محمّداً ليرشدهم إلى طريق الحقّ فيسيرون بهديهِ كما يسيرون بنور المصباح الموضوع في المشكاة وقت اللّيل . ثمّ بيّنَ لهم أنّهم لا يقدرون على قتلهِ لأنّ الله جعل لهُ ملائكة تحرسهُ من أعدائهِ كما أنّ الزجاجة تحرس المصباح من الرياح فلا ينطفئ ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ عن مصدر الوحي الّذي يتلقّاهُ محمّد بأنّه يأتيهِ من السماء وليس من النصارى ولا من اليهود كما يزعمون فقال تعالى (يُوقَدُ) أي يُضيءُ هذا النور ويتلألأ من شجرة ، والشاهد على ذلك قول قيس بن الخطيم :

                              وَجِيدٍ كجِيدِ الرِّئمِ صَافٍ، يَزِينُهُ      تَوَقُّدُ ياقُوتٍ وفَصْلِ زَبَرْجَدِ
                                 كأنَّ الثُّرَيّا فَوْقَ ثُغْرَةِ نَحْرِها      تَوَقَّدُ في الظَّلْماء

أيّ تَوَقُّدِ (مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ ) وهي شجرة الزيتون الّتي كلّم الله سُبحانهُ وتعالى منها موسى بن عمران ، وإنّما قال (مُّبَارَكَةٍ) لأنّ موسى باركها لَمّا خاطبهُ الله منها في وادي طوى في صحراء سيناء ، وقوله (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ) أي لا شرقي مكّة ولا غربها ، والمعنى: إن محمّداً قد جاءكم بالحقّ من ربّكم وليس بهوى النصارى الّذينَ يثلّثون ولا بهوى اليهود الّذينَ رفضوا نبوّة المسيح ونبوّة محمّد لأنّ الأقطار الّتي تقع شرقي مكّة كلّها كانت نصارى كالحبشة وإيطاليا وغير ذلك ، وأمّا غربي مكّة تقع فلسطين وكانت مسكن اليهود

(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) ، الزيت هو ثمرتها لأنّ الزيتون مرّ لا يؤكل إلا بعد عمليّة تُجرى له والناتج من الزيتون هو الزيت ، وثمرة تلك الشجرة هم المؤمنون بالرُسُل وبالوحي الّذي يتلقّاهُ جبرائيل من تلك الشجرة ، والمعنى: قرُبَ للمؤمنين بمحمّد أي يُضيئوا الدنيا بنور إرشاداتهم وينقذوا الناس من الجهالةِ بعلمهم ويرشدوهم إلى طريق الحقّ بإذنِ ربّهم ،

وقوله (نُّورٌ عَلَى نُورٍ ) أي نور القرآن على نور التوراة وهي التوراة الأصليّة الّتي كتبها الله بقلم قدرته في الحجر ، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) أي يهدي الله إلى دين الإسلام وإلى تعاليم القرآن من كان مُهيّئاً للهداية بحُسن أخلاقهِ وعطفهِ على الفقراء . (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ) يقرّبها إلى الأفهام (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فيختار من يصلح للرسالة ويتمكّن من القيام بأدائها .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم