كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
34 - (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) أي لم نجعل أحداً من البشر مُخلّداً باقياً في الدنيا بل كلّهم ماتوا وانتقلوا إلى عالم الأثير عالم النفوس ، فالمسيح مات وإدريس مات وأنت تموت ،
ومن ذلك قول زُهير :
أَلا لا أَرَى عَلَى الحَوادِثِ باقِيَا ولا خالِداً إلا الجِبالَ الرَّواسِيَا
(أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) كلا سيموتون أيضاً ونُعاقبهم على أفعالهم . ونظيرها في سورة الزُمَر قوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } .
35 - (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) أي تذوق ألم الموت (وَنَبْلُوكُم) البلاء معناه الإختبار ، ومن ذلك قول لبيد يُخاطب زوجته :
ولقَد بَلَوْتُكِ وابْتَلَيْتِ خَلِيقَتي ولقَد كفَاكِ مُعَلِّمي تَعْليمي
(بِالشَّرِّ) مرّةً (وَالْخَيْرِ) مرّةً ، والغاية من ذلك (فِتْنَةً) أي اختباراً لنرى هل تصبرون على الشرّ وتشكرون على الخير أم تكفرون . فالفتنة هي البليّة والمشكلة والاختبار ، ومن ذلك قول عنترة :
يا عبلَ كَمْ فِتْنَةٍ بُلِيتُ بِها وخُضْتُها بِالْمُهَنَّدِ الذَّكَرِ
(وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) بعد موتكم فنجازيكم على أعمالكم ، الشاكر على شكرِه والكافر على كفرِه .
36 - (وَإِذَا رَآكَ الّذينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ) قائلين (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) بالسوء (وَهُم) أي المشركون (بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) أي مُنكِرون ، لأنّهم لم يسمعوا قبل نزول القرآن بأنّ الله يُسمّى الرحمان .
37 - (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) أصلها "من عَجِلٍ" بكسر الجيم ، أي من ماءٍ عَجِل ، يعني سريع الإنزال وسريع الخروج من مكانهِ وهو المني ، وممّا يؤيّد هذا قولهُ تعالى في سورة الطارق {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ } ، أي سريع الخروج . (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) في آخر الزمان ، يعني من خوارق العادات كانشقاق القمر وتسيير النيازك نحو الشمس وتبعثر الجبال ووقوف الأرض عن دورتها المحوريّة وغير ذلك (فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ) لأنّ في التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة .
38 - (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) أي متى تقوم الساعة الّتي تعدوننا بها وبالعذاب الّذي يُصيبنا فيها ، فأجاب الله تعالى عن سؤالهم هذا فقال :
39 - (لَوْ يَعْلَمُ الّذينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ ) يعني تحيط بهم النار من كلّ جانب فلا يستطيعون الخلاص منها ، وذلك بعد موتهم يدخلون جهنّم (وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) أي لا ينصرهم أحد فيخلّصهم من النار ، وتقديره لو يعلمون ذلك ما استعجلوا بطلب العذاب ولا قالوا متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين .
40 - (بَلْ تَأْتِيهِم ) الساعة (بَغْتَةً) أي تأتيهم ساعة الموت فَجأةً (فَتَبْهَتُهُمْ) حين يرَون ملائكة الموت الّتي تقبض نفوسهم من أجسامهم ، أي يبقون في حيرة (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) أي لا يستطيعون ردّ الملائكة عنهم (وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) أي ولا يُمهَلون إلى وقتٍ آخر ليتوبوا ويؤمنوا .
41 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد كما استهزأ هؤلاء بكَ (فَحَاقَ) أي أحاط العذاب (بِالّذينَ سَخِرُوا مِنْهُم ) أي سخِروا من الرُسُل (مَّا كَانُوا بِهِ ) أي بالعذاب ووقوعهِ (يَسْتَهْزِؤُون) أي مُكذّبين بوقوعه غير مُصدّقين .
42 - (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ) أي مَن يحرسكم ، ومن ذلك قول زُهير :
مَخُوفٌ بَأسُهُ يَكْلأْكَ منهُ عَتِيقٌ لا ألَفُّ ولا سَؤُومُ
وقال ابن هرمة :
إنَّ سُلَيَمَى واللَّهُ يَكْلَؤُها ضَنَّتْ بِشَيْءٍ ما كانَ يَرْزَؤُهَا
(بِاللّيل وَالنَّهَارِ مِنَ ) عذاب (الرَّحْمَنِ) إذا نزل بكم وحلّ بأرضكم . فاللّيل يُريد بهِ آخر ليل من ليالي الأرض ، وكذلك النهار ، وسيأتي شرحهما في سورة القصص وذلك قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللّيل سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .. إلى آخر الآية} ، ثمّ ذكر النهار بالسرمد أيضاً ، وهذا الحادث يكون عند وقوف الأرض عن دورتها المحوريّة فيكون طول كلّ من اللّيل والنهار ألف سنةٍ وحينئذٍ يحلّ العذاب بأهل الأرض لِما يصيب أهل النهار من الحرّ الشديد ، وأهل اللّيل من البرد الشديد والجوع فيهلكوا ،والمعنى : إذا صار ذلك اليوم وحلّ العذاب بكم مَن يحرسكم منهُ وينقذكم من عذابهِ ؟ وقوله (بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ) أي عن وعظِ ربّهم وإرشادهِ مُعرضون ، والمعنى : عن القرآن مُعرضون .
43 - (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ) تقديرهُ أم لهم آلهةٌ من دوننا تمنعهم عن اتّباع ديننا ، كلّا ليس في الكون إلاهٌ غير الله وحدهُ ، فالمشركون (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ ) إذا نزل بهم العذاب ولا شُركاؤهم يمكنها أن تدفع العذاب عنهم (وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ) يعني ولا المشركون تصحبهم ملائكة من عندنا وتنجيهم من العذاب وترشدهم إلى طريق الجنّة ، كما تفعل ذلك مع المؤمنين فتأخذهم إلى الجنّة بصحبتها ، ولكنّ المشركين تصحبهم الشياطين ، فأيّهما أحقّ بالأمن الّذي تصحبهُ أعداؤهُ الشياطين أم الّذي تحرسهُ الملائكة وتأخذهُ إلى الجنّة ؟
44 - (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ ) في الدنيا بالمال والبنين فلم نُعاجلهم بالعقوبة (حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) أي طالت أعمارهم فغرّهم المال وطول العُمر فكفروا وظلموا (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) . لقد بيّنَ الله تعالى في هذه الآية نقصان الأرض ونقصان أهلها : أمّا نقصان الأرض فقد شرحتُ عنه في سورة الرعد في آية 43 عند قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } ، وفي هذه الآية نبيّن نقصان أهلها وإليك شرح الآية (أَفَلَا يَرَوْنَ ) هؤلاء المشركون المعانِدون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ) بالطاعون والزلزال والسيول وغير ذلك من أسباب الهلاك والدمار وبذلك (نَنقُصُهَا) أي ننقص الأرض بالخراب وأهلها بالموت (مِنْ أَطْرَافِهَا ) أي من أطراف مكّة ، يعني القُرى الواقعة أطرافَ مكّة (أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني كيف يظنّون أنّهم يغلبون رسولنا وقد يرون كيف نُميت الناس بالمئات بالطاعون بل بالاُلوف في يوم واحد ، وبالزلزال في دقيقة واحدة .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |