كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
35 - ثمّ قال الله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ ) بافترائكم على الله بأن جعلتم لهُ البنات .
36 - (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ ) يعني أوحَى الله إليهِ (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ ) أحد في المستقبل (إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ) في الماضي (فَلاَ تَبْتَئِسْ ) أي فلا تغتمّ ولا تحزن ، ومن ذلك قول الشاعر :
ما يَقْسِمِ اللَّهُ أَقْبَلْ غَيْرَ مُبتِئِسٍ مِنْهُ وأَقْعُدْ كَرِيماً ناعِمَ
(بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) من أفعال سيّئة .
37 - (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ ) أي السفينة (بِأَعْيُنِنَا) أي بمراقبتنا (وَوَحْيِنَا) أي وإرشاداتنا لك (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الّذينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) يعني لا تسألني العفوَ عن هؤلاء الكافرين من قومك ولا تشفع لأحدٍ منهم فإنّهم سيغرقون عن قريب .
38 - (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ) هو وأصحابهُ166 (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ ) الكافرين (سَخِرُواْ مِنْهُ ) أي من نوح (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا ) اليوم (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ) في المستقبل (كَمَا تَسْخَرُونَ ) اليوم .
39 - (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) عاقبةَ سُخريتكم (مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ) في الدنيا (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) في الآخرة ، أي عذاب دائم .
40 - ثمّ أخبر الله تعالى عن إهلاك قوم نوح فقال (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا ) وتقديرهُ فذلك حالهُ وحالهم معهُ حتّى إذا جاء أمرنا بإهلاكهم (وَفَارَ التَّنُّورُ ) بالماء167 وكانت العلامة بالوقت المحدّد لإهلاكهم أن ينبع الماء أوّلاً من التنّور الّذي في بيت جاره ، وكانت امرأة جاره مؤمنة بهِ فأخبرت نوحاً بذلك فاستعدّ للركوب في السفينة وتفجّرت العيون من الأرض وهطلت الأمطار من السماء أربعين يوماً بلياليها وانحدرت السيول من الجبال (قُلْنَا) لنوح (احْمِلْ فِيهَا ) أي في السفينة (مِن كُلٍّ ) من الأنعام والدوابّ والطيور (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ ) يعني وأهل بيتك ، وهم امرأتهُ وبنوهُ ثلاثة وهم سام وحام ويافث ونسوة بنيهِ ، وتخلّفَ امرأتهُ الثانية الخائنة وكنعان ابنهُ (إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) بتركهِ وهي امرأتهُ الخائنة واسمها واغلة ، وكنعان (وَمَنْ آمَنَ ) أي واحمل معك من آمن بك من قومك . ثمّ أخبرَ سُبحانهُ عنهم فقال (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) أي نفرٌ قليل .
41 - (وَقَالَ) نوح لمن آمنَ من قومهِ (ارْكَبُواْ فِيهَا ) أي في السفينة (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) أي مُبتدئين بذكر الله وقتَ مَجراها فوق الماء ووقتَ مُرساها فوق الجبل (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ ) لنا عمّا سلفَ من خطايانا (رَّحِيمٌ) بنا إذ نجّانا من الغرق .
42 - (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ) في ارتفاعها (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ) عن السفينة وعن أصحاب أبيهِ (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا ) في السفينة (وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) فتغرق .
43 - (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ) يعني يحفظني من الغرق (قَالَ) نوح (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ) أي مِمّا قضاهُ الله سُبحانهُ وتعالى بالغرق لجميع الكافرين من قوم نوح (إِلاَّ مَن رَّحِمَ ) يعني إلاّ من رحمهُ الله بالإيمان فآمنَ وركبَ في السفينة (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ ) يعني بين نوح وابنهِ كنعان (فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) في الماء . ودام الماء على وجه الأرض مائة وخمسين يوماً .
44 - (وَقِيلَ) أي قالت الملائكةُ (يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ ) فتسرّبت المياه في جوف الأرض ، وذهب بعضها إلى الأبحُر والأنهُر ، وبعضها تبخّرت بحرارة الشمس فأخذت تنقص يوماً بعد يوم (وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي ) عن المطر ، أي أمسكي عن المطر (وَغِيضَ الْمَاء ) أي نقصَ الماء الّذي على وجه الأرض ، ومن ذلك قول جرير :
غَيَّضْنَ مِنْ عَبَرَاتِهنّ وقُلْنَ لِي ماذا لقيتَ مِنَ الهَوَى ولَقِينَا
(وَقُضِيَ الأَمْرُ ) بإهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين (وَاسْتَوَتْ) السفينة (عَلَى الْجُودِيِّ ) يعني رست السفينة على جبل الجودي (وَقِيلَ) أي وقال نوح ومن معهُ (بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) أي أبعدهم الله عنّا وأغرقهم في الماء . وجبل الجودي في تركيا ، وجاء في التوراة بأنّ السفينة رست على جبال أراراط ، وهذه الجبال تقع في تركيا .
45 - (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي ) الّذينَ وعدتني بنجاتهم من الغرق (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) لا خلفَ فيهِ فنجّهِ (وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) في قولك وفعلك 168 .
46 - (قَالَ) الله تعالى (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) أي ليس مِمّن وعدتُك إيّاهم بالنجاة ، وذلك قوله تعالى فيما سبق (إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) بتركهِ ، وقوله (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) يعني سؤالك هذا وطلب نجاة ابنكَ كنعان عملٌ غير صالح ، ولذلك قال بعدها (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ ) أي بأعمالهِ (عِلْمٌ) ، والدليل على ذلك قول الله تعالى (مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ، (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) والمعنى : لا تحكم بصلاح أحد تجهل أعماله أو تتجاهلها
47 - (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ ) أي بحقيقتهِ (عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) في الآخرة .
------------------------------------166 :فصنعَ السفينة من خشب القطران أي السّاج ، والقطران هو التربنتاية تُستخرج من شجر السّاج ، وكان طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعاً وارتفاعها ثلاثين ذراعاً وجعل لها غطاءً وجعل في أسفلها ثلاثة طوابق لحمل الحيوانات فيها وطلاها بالقار من داخلها ومن خارجها . راجع سِفر التكوين من مجموعة التوراة167 :والّذي يظهر لي من العلائم أنّ قوم نوح كانوا قرب الموصل في منطقةٍ تسمّى اليوم "عين سُفني" ومعناها عين الماء والسفينة ، وهناك كان التنّور، والدليل على ذلك قول ابن نوح {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء } ، فدليل قوله أنّها منطقة جبليّة ، والدليل الثاني ترى آثار المياه في الجبال الموجودة في تلك المنطقة وفي جبال سنجار ، وقد أثّرت الأمواج في تلك الجبال فصنعت فيها خطوطاً واضحة تدلّ على أنّها تكوّنت من اصطدام الأمواج فيها ، والدليل الثالث القار الّذي طلى بهِ السفينة ، فالقير موجود بكثرة قرب الموصل . والّذي أعتقده أنّ الطوفان لم يعمّ الأرض كلّها بل قطراً من أقطارها وخاصّة العراق في جهة الموصل لأنّ السيول جاءت من تركيا ، وذلك بسبب كثرة الأمطار الّتي دامت أربعين يوماً ، فالأمطار والسيول والينابيع أغرقت قوم نوح وطافت السفينة فوق تلك المياه .168 :إنّ كنعان حفيد نوح وليس إبنهُ ولكن لَمّا كان الجدّ يقوم مقام الأب سمّاهُ إبنهُ ، وكذلك الحفيد له حصّة أبيهِ من إرث جدّه إن كان والدهُ ميّتاً ، ومِمّا يؤيّد هذا قول الله تعالى في سورة يوسف حاكياً عن قول يعقوب {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ } ، فإنّ إسحاق جدّ يوسف وليس أباهُ ، وإنّ إبراهيم والد جدّهِ وليس أباهُ ، ولكن لَمّا كان الجدّ يقوم مقام الأب سمّاهُ إبنهُ .![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |