|
كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
36 - (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ) أي لا ينبغي لمؤمنٍ (وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) أي ليس لهم الاختيار من أمرهم إن شاؤوا عملوا بهِ وإن لم يشاؤوا تركوهُ ، بل يجب امتثال أمر الله والعمل بهِ دون توانٍ ولا تردّد (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) .
37 - (وَإِذْ تَقُولُ ) يا محمّد لزيد بن حارثة (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) بالعِتق ، فتقول لهُ لَمّا أرادَ طلاق زوجتهِ (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) يعني أبقِها عندك ولا تُطلّقها (وَاتَّقِ اللَّهَ ) في طلاقها بدون ذنبٍ منها إليك (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ ) يا محمّد من حُبّك لها (مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) أي مُظهرهُ إذ الله ألقَى حُبّها في قلبك (وَتَخْشَى النَّاسَ) أن يعيبوا عليك (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ) أي حاجةً وطلّقها وانقضت عِدّتها (زَوَّجْنَاكَهَا) . فالوطَر قضاء الرغبة والحاجة ، ومن ذلك قول الشاعر :
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
وقالت الخنساء تنعى أخاها :
قَدْ كانَ خالِصَتِي مِنْ كُلِّ ذِي نَسَبٍ فَقَدْ أُصِيبَ فَما لِلْعَيْشِ أَوْطارُ
ومعناهُ نحنُ ألقينا حُبّها في قلبك وألقينا أمر طلاقها في قلب زيد لكي يُطلّقها زيد وتتزوّجها أنتَ ، وذلك لغايةٍ نقصدها بعد ذلك وهيَ (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) يعني لئلاّ بعدك يُحرّمون زواج المطلّقة لمن تبنّوهُ ، فحينئذٍ يقولون إنّ نبيّنا تزوّج مُطلّقة زيد فلماذا نحنُ لا نتزوّج مُطلّقات من تبنّيناهم (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) يعني ما أرادهُ الله كائنٌ لا محالة .
أقول إنّ الله تعالى يختبر أولياءهُ ويمتحنهم ليرى تقواهم وصبرهم عن المحرّمات ، فقد امتحنَ يوسف بزليخا امرأة العزيز فوجدهُ ذا صبرٍ وعزيمة على إمساك شهوتهِ . وامتحنَ داوُد بزوجة اُوريّا فوجدهُ غير صابر وليس لهُ عزيمة على ضبطِ نفسهِ . وامتحنَ محمّداً بزوجة زيد فوجدهُ صابراً ذا عزيمة على ضبط نفسه عن المحرّمات فلم يعمل شيئاً حين رآها سِوى أن قال {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } فأعطاهُ الله ما اشتهت نفسه بالحلال دون الحرام . وكلّهم اختبرهم الله تعالى بنساء مُتزوّجات ، وذلك لأنّ المتزوّجة لا سبيل إلى الحصول عليها إلاّ إذا طلّقها زوجها برضاً منهُ دون إكراه ، أمّا إذا كانت المرأة باكراً فيمكن للرجل أن يتزوّجها بأن يخطبها من أبيها ، ولكن إذا كانت متزوّجة فماذا يصنع إذا وقع حُبّها في قلبهِ هل يزني بها فيأثم أم يضبط نفسهُ عن المحرّمات ويصبر ، وهذا هو الامتحان الّذي امتحن الله فيهِ أنبياءهُ الثلاثة .
38 - ثمّ قال الله تعالى (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ ) في الزواج (فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ) أي فيما كتبهُ الله لهُ وقدّرهُ من يوم ولادتهِ بأن يتزوّج تسعاً (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الّذينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ) يعني شريعة الله في أنبيائهِ الماضين بأن أباحَ لهم تعدّد الزوجات . فقد تزوّج داوُد سبعاً وكان لهُ من السراري اثنتين وتسعين سريّة . أمّا سُليمان فقد تزوّج نساءً كثيرة وكان له من السراري ثلاثمائة سريّة 202 . وتزوّج جدعون بن يؤاش نساءً كثيرة أيضاً وهو من رؤساء بني إسرائيل وقضاتهم . أمّا داوُد فقد طلّقَ ميكال بنت شاؤول من زوجها جبراً وتزوّجها ، لأنّها كانت خطيبتهُ من قبل زواجها وقد خان العهد أبوها مع داوُد فزوّجها لغيرهِ ، ولَمّا قُتِلَ شاؤول عادّ داوُد يُطالب بخطيبتهِ حتّى أخذها جبراً203 وقوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ) يعني وكان أمرُ الله في تزويج النبيّ بتسعٍ من النساء قدَراً مقدوراً ، يعني مُقدّراً ومكتوباً من يوم ولادتهِ . ثمّ أخذ سُبحانهُ في الثناء على الأنبياء والرُسُل فقال :
39 - (الّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ) للناس (وَيَخْشَوْنَهُ) أي يخافون عقابهُ إذا بدا تقصير منهم (وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا ) في تبليغ الرسالة (إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) أي كفَى بالله مُجازياً لهم على تحمّل الأذى في تبليغ الرسالة .
40 - (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) فتنكرون عليهِ زواج زينب بنت جحش مُطلّقة زيد (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ ) إليكم (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) فيكم (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ) من اُمور الدين (عَلِيمًا) فيعلّمكم بها ليكمل دينكم .
41 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )
42 - (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) . "البُكرة" هي الصباح ، و"الأصيل" هو المساء ، والمعنى: سبّحوهُ على الدوام ، يعني في كلّ وقت تذكرهُ بهِ وعند كلّ آية تراها من آيات الكون وفي كلّ عجيب تراهُ من المخلوقات . فإنّ الله تعالى أمرنا أن نذكرهُ ونسبّحهُ على الدوام ، ولكنّ أكثر الناس تركوا ذِكر الله في هذا الزمن وأخذوا يذكرون المشايخ والأئمّة والأولياء ، وهذا هو الإشراك الصريح ، يذكرونهم عند قيامهم وقعودهم ، يذكرونهم في أفراحهم وعند شدائدهم ، يذكرونهم عند ولادتهم وعند مماتهم ، يذكرونهم لسؤالهم وطلب حوائجهم ، نسُوا الله فأنساهم أنفسهم أولائك هم الكافرون .
43 - (هُوَ) الله (الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) . الصلاة مشتقة من الصِّلة ، والمعنى: هو الذي يَصِلُكم بالوحي والخيرات وملائكته أيضاً تَصِلُكم بنزول الوحي على نبيّكم وبالنصرة لكم على أعدائكم وإرشادكم إلى طريق الصلاح . وذلك لأنّ الوحي نوعان الأول من الله إلى النبيّ مباشرةً دون واسطة ، والثاني ينزل به أحد الملائكة . والغاية من نزول الوحي وإيصاله إليكم (لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) فتأمّل إلى هذه الكلمة ، فان الله تعالى لم يقل يصلّي عليكم لأنكم أتقياء ، بل قال ليخرجكم من الظلمات الى النور ، أي من ظلمات الجهل الى نور العلم والهداية . إذاً يقصد بكلمة الصلاة الإيصال والإتّصال (وَكَانَ) الله (بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) إذ واصَلَهم بالخيرات .
![]() |
![]() |
![]() |
||
| كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
| كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |