كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يوسف من الآية( 38) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

38 - (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا ) أي لا ينبغي لنا (أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ) فلا نعبد الأصنام ولا الأوثان (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ) الموحِدين (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) نِعم الله عليهم . وهذا كان جواباً لهم على سؤالهم : من ربّك ؟ فقال لهم أنا لا أعبد الأصنام ولا آبائي تعبد الأصنام بل نعبُد الله ربّ السماوات والأرض فهو الّذي علّمني تعبير الرؤيا ، فإن أردتم أن تكونوا مِثلي فاعبُدوا الله وحدهُ واتركوا عبادة الأصنام يُعطِكم ما أردتم . ثمّ قال لهما :

39 - (يَا صَاحِبَيِ) في (السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ ) من حجر وفضّة ونحاس لا تضرّ ولا تنفعُ (خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الّذي يُحيي ويُميت وبيدهِ كلّ شيء ؟

40 - (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) يعني إنّ الأصنام الّتي تعبدونها وجعلتم لها أسماء فهيَ فارغة من المعاني لا حقيقة لها ، ما أنزل الله من حُكمٍ بعبادتها في كتاب من الكتب السماويّة (إِنِ الْحُكْمُ ) في العبادة (إِلاَّ لِلّهِ ) يعني لا يجوز لأحدٍ أن يعبدَ شيئاً بهوى نفسه إلاّ بما حكم الله وأمرَ بهِ في الكتب السماويّة (أَمَرَ) فيها (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ) وحدهُ (ذَلِكَ) أي الّذي بيّنتُ لكم من عبادة الله وحدهُ وترك عبادة الأصنام هو (الدِّينُ) للنبيّ يعقوب (الْقَيِّمُ) على أولادهِ وقومهِ (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) الحقيقة .

41 - (يَا صَاحِبَيِ ) في (السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ ) أي سيّدهُ ، يعني الملِك (خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن ) لحم (رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) من أمر الرؤيا .

42 - (وَقَالَ) يوسف (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ) يعني للساقي (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) يعني عند الملِك كي يُخرجني من السجن لأنّي غير مُذنب (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) يعني أنسَى يوسف أن يذكر الله ويدعوهُ لنجاتهِ من السجن حتّى التمسَ من الساقي أن يذكرهُ عند الملِك (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) جزاءً على تلك الكلمة ، أي بقيَ يوسف في السجن ثلاث سنين اُخرى ، لأنّهُ قد أمضى سنة واحدة قبل أن يُعبّر الرؤيا للساقي ولَمّا خرج الساقي من السجن نسيَ أن يذكر يوسف عند الملِك حتّى رأى ما رأى من البقرات السبع فكانت المدّة سنتين فصار المجموع ثلاث سنين .

43 - (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ) في المنام (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ ) بقرات (عِجَافٌ) أي مهازيل ضِعاف ، ومن ذلك قول امرئ القيس :

                                ثَوَى عِنْدَ الوَدِيَّةِ جَوْفَ بُصْرَى      أبُو الأيْتامِ والكَلِّ العِجافِ

فدخلت السِمان في بطون المهازيل حتّى لم أرَ منهنّ شيئاً (وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ ) أي وأرى في منامي أيضاً سبع سُنبلات من الحنطة قد انعقدَ حبّها (وَأُخَرَ) أي وسبعاً اُخَر (يَابِسَاتٍ) أي فارغات من الحبّ فالْتَوَت اليابسات على الخضر فابتلعتهُنّ (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ) أي عبّروا ما رأيتُ في منامي (إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) يعني إن كنتم تُحسنون تعبيرها .

44 - (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ) يعني قالوا هذه أخلاط أفكار ، فكلمة "حلم" معناها الفكر والعقل ، والشاهد على ذلك قول زُهير بن أبي سلمى :

                              وإنَّ سفاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ      وإنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفاهَةِ يَحْلُـمِ

وقال عنترة :
                               ولِلْحِلْمِ أوقاتٌ وللجَهلِ مثْلُها      ولكنَّ أوقاتي إلى الحِلْمِ أقْرَبُ

والمعنى : إنّ الرؤيا نتيجة أفكار يُفكّر بها الإنسان في النهار فيراها في منامهِ ليلاً (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ) . وحينئذٍ تذكّر الساقي قول يوسف فاخبر الملِك عنهُ .

45 - (وَقَالَ الَّذِي نَجَا ) من القتل ، وهو الساقي (مِنْهُمَا) أي الّلذَينِ قصّا رؤياهما على يوسف (وَادَّكَرَ) أي وتذكّرَ وصيّةَ يوسف لهُ ، ومن ذلك قول الخنساء تصفُ بقرة أكلَ إبنها السبعُ :

                                تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا ادّكرَتْ      فإنّما هِيَ إقْبالٌ وإدْبارُ ي

عني إذا تذكّرت ولدها ثارت فتذهب يميناً وشمالاً تبحث عن ابنها. وقال حسّان بن ثابت الأنصاري:

                                        فَلَبِثْتُ أزْماناً طِوالاً فِيهِمُ      ثُمَّ ادَّكَرْتُ كَأَنَّنِي لَمْ أَفْعَلِ

وقال الأعشى :
                                       خَالَطَ القَلْبَ هُمُومٌ وَحَزَنْ      وادِّكَارٌ بَعْدَ ما كَانَ اطْمَأَنْ

(بَعْدَ أُمَّةٍ ) أي بعد جماعةٍ من الكهنة الّذينَ لم يعرفوا رؤيا الملِك ولم يعلموا تعبيرها ، قال (أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ) أي بتأويل رؤيا الملِك (فَأَرْسِلُونِ) إلى يوسف كي أقصّ عليهِ الرؤيا وآتيكم بالجواب . فإذنَ له الملِك بالذهاب إلى يوسف فلمّا وصل إليهِ الساقي قال :

46 - (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ) أي أخبرنا وعبّر لنا (فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ) يعني إلى الملِك وأصحابهِ الكهنة الّذينَ جمعهم لتعبير الرؤيا (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) فضلكَ وعِلمكَ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم