كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 38) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

38 - (هُنَالِكَ) أي عند ذلك الذي رآه زكريّا من أمر مريم (دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) أي صالحة (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ) أي تُجيب لِمن تلتفت إليه وتسمع دعاءه .

القصّة : كانت امرأة زكريّا من نسل هارون وكانت كبيرة في السِنّ واسمها إليصابات وكانت عاقراً فاشتاق زكريّا إلى الولد فدعا ربّهُ ، فبينما كان زكريّا في الهيكل يبخّر البخور ويُصلّي ظهر له جبرائيل واقفاً عن يمينه فلمّا رآه زكريّا خاف منه ، فقال : "لا تخف يا زكريّا لأنّ طلبتك قد سُمِعَتْ وامرأتك ستلد لك ابناً وتسمّيه يوحنّا" ، هذا في اللّغة العِبريّة ، ومعناهُ في العربيّة يحيى

39 - (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ ) نداءً خفيّاً وجبرائيل كلّمه علناً (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ) الذي في بيت المقدس (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ ) أي أنّ الله يبشّرك بولد ستلده لك زوجتك يكون اسمُهُ يحيى فهو يصدّق المسيح الذي هو كلمة من الله . كان المسيح في السماء يُكنّى كلمة الله وكان في الملائكة من قسم جبرائيل أي من نوع الروح فكما كان جبرائيل يسمّى الروح الأمين كذلك المسيح أيضاً روح ، ولذلك قال الله تعالى في سورة النساء {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } أي نزلت تلك الروح إلى الأرض من عنده ، يعني من السماء فدخلت جسم الجنين الذي تكوّن في رحم مريم فكان المسيح ، ولَمّا ماتَ رجعت تلك الروح إلى السماء 131، وقوله (وَسَيِّدًا) وسيكون سيّداً على قومه (وَحَصُورًا) أي يحصر نفسَهُ عن الشهوات ، وفي ذلك قال الأخطل : وشارِبٍ مُرْبِحٍ بالكَأسِ نادَمَني لا بالحَصُورِ، ولا فِيها بسَوَّارِ عذْراءَ لمْ يجْتَلِ الخُطّابُ بهجَتَها حتّى اجْتلاها عِبادِيٌّ بِدِينارِ وقال الآخر:

                                وَحَصُورٌ عَنِ الْخَنَا يَأْمُرُ النَّا === سَ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالتَّشْمِيرِ

(وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) في أعمالهم وأقوالهم .

40 - (قَالَ) زكريّا (رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ) أي كيف يكون لي ولد (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) أي بلغتُ سِنّ الشيخوخة (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ ) الملَك (كَذَلِكَ) أي كما قلتُ لك يكون (اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ) لا يعجزهُ شيء .

41 - (قَالَ) زكريّا (رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً ) يعني علامة على ذلك (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ) يعني العلامة على أنّ زوجتكَ قد حبَلتْ أنّك لا تستطيع الكلام (ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا ) يعني بالإيماء والإشارة (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا ) بالحمد والثناء (وَسَبِّحْ) لهُ (بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) يعني على الدوام .

42 - (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ ) أي اختاركِ لعبادتهِ (وَطَهَّرَكِ) من أعمال الشرك (وَاصْطَفَاكِ) لولادة المسيح عيسى (عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) في زمانكِ .

43 - (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ) أي انقطعي إليهِ في الطاعة والعبادة (وَاسْجُدِي) أي انقادي لأوامره ، فكلمة "سجود" تكون مرّةً بمعنى الانقياد والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النحل {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ } ، فكلمة "ما" تُستعمَل لغير العاقل ، والمعنى : تنقاد الدوابّ للغريزة التي غرزها الله فيها . وقوله (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) لأنّ صلاة اليهود فيها ركوع وليس فيها سجود .

44 - (ذَلِكَ) إشارةً إلى ما تقدّم من حديث مريم وزكريّا ويحيى (مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ ) أي من أخبار ما غابَ عنك عِلمهُ (نُوحِيهِ إِلَيكَ ) يا محمّد بواسطة جبرائيل (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ) أي ما كنت حاضراً عندهم (إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ ) في الماء يقترعون بِها (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) أي يكون كفيلاً لها يقوم بنفقتها (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) في أمرها .

45 - (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ) أي من جهته من السماء ، يعني من ملائكته التي في السماء ، وكان المسيح يُكنّى في السماء "كلمة الله" ، فنزل إلى الأرض ودخل جسم الجنين الّذي تكوّن في رحم مريم فكان (اسْمُهُ) عند الناس (الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) يعني إسمه عيسى بن مريم وكنيتهُ المسيح ، ومعنى المسيح مسحوا رأسهُ بزيت العِطر والّذي مسحه هو يوحنّا المعمداني ، وكانت هذه عادة في بني إسرائيل لِمن يكون نبيّاً أو ملِكاً يمسحون رأسه بالعِطر (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا ) عند الناس ، أي مُحترَماً (وَالآخِرَةِ) أي وكذلك في الآخرة وجيهاً (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) عند الله في السماوات الأثيريّة .

46 - (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ) لكي يبرّئ اُمّهُ من تهمة الفاحشة (وَكَهْلاً) يعني ويُكلّمهم وهو كهل في أمور دينهم (وَمِنَ) الأنبياء (الصَّالِحِينَ ) الّذينَ لم يُذنِبوا في وقت شبابهم .

47 - (قَالَتْ) مريم (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ) أي كيف يكون لي ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ ) الملَك جبرائيل (كَذَلِكِ) أي كما قلتُ لكِ يكون (اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ) في الأرحام (إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يعني إذا أنهى أمراً وعزمَ على فعله (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) كما قضَى لا يستحيل عليه شيء .

48 - (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ ) أي يعلّمهُ ما في الألواح المكتوبة ، لأنّ كلّ شيء فيه كتابة يُسمّى كتاباً (وَالْحِكْمَةَ) أي الموعظة (وَالتَّوْرَاةَ) يعني مجموعة التوراة (وَالإِنجِيلَ) يعني ويُعطيه الإنجيل بالتعليم .

49 - (وَ) يبعثه (رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) فيقول لهم (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي بمعجزةٍ من ربّكم (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ ) وهو الّذي وُلِدَ أعمى ، ومن ذلك قول سويد بن أبي كاهل :

                                  كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى اِبْيَضَّتَا      فَهُوَ يَلْحَى نَفْسه لَمّا نَزَعْ

(والأَبْرَصَ) أي الّذي في جسمهِ برَص ، ويُسمّى "وضح" أيضاً ، وهي بُقع بيضاء تكون في جسم الإنسان (وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ ) أي في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وإنباء المغيّبات (لآيَةً لَّكُمْ ) أي دلالة لكم على صِدقي بأنّي رسولٌ لكم من الله (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) يعني إن كنتم مُصدّقين .

------------------------------------

131 :ولذلك قال المسيح : "وما صعد أحد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء" إنجيل يوحنّا 3: 13

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم