كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 4) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

4 - لَمّا أسلم من اليهود عبد الله بن سلام وجماعته ، دعَى الباقين إلى الإسلام فلم يستجيبوا له ولم يُسلموا . وذلك قوله تعالى في سورة الأحقاف {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فحينئذٍ أنذرهم الله بالدمار في هذه الآيات ، فقال تعالى :

(وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) يعني بني إسرائيل المعاصرين لرسول الله محمد بن عبد الله الذين كذّبوه ولم يؤمنوا به ، والكتاب هو القرآن . ومعنى "قضينا" : أنذرناهم وحكمنا عليهم بالدمار إن لم يصلحوا أعمالهم ويُسلموا . فالقضاء هو الحكم القطعي الذي لا تغيير فيه . ومن ذلك قوله تعالى في آية 23 من السورة {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} أي حكم ربّك حكماً قطعياً . ومن ذلك قول عنترة:

                                جاروا فَحَكَّمْنا الصَّوارمَ بيْننا ..... فقَضتْ وأَطرافُ الرماحِ شُهُودُ

والمعنى قل يا محمد لبني إسرائيل المعاندين الذين لم يُسلموا (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) فاللام من قوله تعالى "لتُفسدنّ" لام العاقبة وكذلك قوله (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) وهذا إخبار عن المستقبل ، وتقديره لتفسدن إلى الإسلام مرتين في المستقبل . وليس هذا إخباراً عن الماضي كما ذهب إليه بعض المفسرين ، لأنّ فسادهم في الماضي كثير وليس مرتين . وقد أيّد هذا القول الأستاذ عبد الرحيم فودة وذلك في مجلة لواء الإسلام في العدد الأول للسنة الحادية والعشرين والمؤرخة غرّة رمضان سنة 1386 هجرية والمقال في صحيفة 55 .إنتهى .


والدليل على أنّ هذا إخبار عن المستقبل قوله تعالى :

5 - (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ) فكلمة "إذا" تُستعمل للمستقبَل ، فلو كان إخباراً عن الماضي لقال تعالى فلمّا جاء وعد أولاهما ، ثمّ قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) فلو كان إخباراً عن الماضي لقال "بعثنا عليهم" ولم يقل (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ )، فكلمة "عليكم" تدلّ على اليهود الّذينَ كانوا في زمن النبيّ (ع) ومن يأتي بعدهم . وقد جاءت الآيات القرآنية التي تخبر عن الماضي مُبتدئة بكلمة "فلمّا" ولم تأتِ مُبتدئة بكلمة "إذا" ومن ذلك قوله تعالى في سورة الزُخرُف {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } وقال تعالى في سورة آل عمران {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ } وقال تعالى في سورة الأنبياء {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } وكثير في القرآن مِثل هذه الآيات الّتي تُخبر عن الماضي . ففسادهم الأول وغدرهم بالمسلمين كان في سنة 1948 ميلادية حيث قتلوا المسلمين في فلسطين وأخرجوهم من ديارهم وأخذوا أموالهم وديارهم وتركوهم بلا مأوى ، وذلك بمساعدة الإنجليز ووعد بلفور لهم بأن يجعل لهم وطناً في فلسطين . فخرج جيش العرب لمحاربتهم وخاصّةً جيش العراق وحاربوهم وانتصروا عليهم ودخل الجيش أرض فلسطين وجاسَ خِلال الديار وكادَ يدخل تل أبيب ، ولو لم تكن السُلطة حينئذٍ بيد الإنجليز والخيانة من بعض رؤساء العرب لقضَى جيش العراق على الصهاينة ، ولكنّ الإنجليز خدعوهم بكلمة الهُدنة ، فكانت الهُدنة دسيسة وخديعة من الإنجليز ، ورجع الجيش إلى العراق . فجيش العراق هم الّذينَ عناهم الله تعالى بقولهِ (عبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ) . أمّا قوله تعالى :

6 - (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) فالخطاب لليهود ، والمعنى: ثمّ قوّيناكم على المسلمين ونصرناكم عليهم . وذلك بسبب تفرّق كلمتهم وتركهم للدين الحنيف وتقليدهم للأجانب والتزييّ بزيّهم لتكون هذه النكسة تأديباً لهم (وَأَمْدَدْنَاكُم) أيها اليهود (بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) أي أكثر المهاجرين إليكم من أبناء دينكم من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض . وممّا يُؤيّد هذا قولهُ تعالى في آية 104 من نفس السورة {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } و"اللّفيف" هم جماعة على اختلاف بلادهم وأجناسهم ولُغاتهم . وقد اجتمعوا في فلسطين من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض وزادت سطوتهم بسبب أمريكا وبريطانيا وكثرت أموالهم بسبب التبرعات التي تقدِّمها لهم أمريكا وغيرها من الدول . ثمّ أخذَ سُبحانهُ في نصحهم وإرشادهم فقال :

7 - (إِنْ أَحْسَنتُمْ ) مع المسلمين (أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ) لأنّكم بالإحسان تزرعون المودّةَ في قلوبهم فينسجموا معكم ولا يطردوكم من أرضهم (وَإِنْ أَسَأْتُمْ ) إلى المسلمين (فَلَهَا) إساءتها ، لأنّ من يزرع الحنظل لا يجني إلا حنظلاً فحينئذٍ يطردونكم من أرضهم ويقتلونكم . وكانت الجولة الثانية من فسادهم وغدرهم بالمسلمين سنة 1967 ميلادية إذ غدروا بالمسلمين وضربوا مصرَ والأردُن وسوريا وقتلوا آلاف الأبرياء وشرّدوا الأطفال والنساء . فكانت المدّة الزمنيّة بين الاُولى والثانية عشرين سنة . [المرّة الأخيرة ] ثم قال الله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ) أي المرّة الأخيرة (لِيَسُوءُوا) المسلمون (وُجُوهَكُمْ) أيها اليهود ، يعني ليخزوا رؤساءكم ويذلّوهم بالأسر والقتل . فالوجوه هم الرؤساء والقادة . فالّذينَ جاسوا خلال الديار في أوّل مرّة هم الّذينَ يسوؤون وجوه اليهود في المرّة الأخيرة وهم سَيُتبّرون ما عَلَوا تتبيراً (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ ) منتصرِين يعني المسجد الأقصى (كَمَا دَخَلُوهُ ) العراقيون (أَوَّلَ مَرَّةٍ ) سنة 1948 ميلادية ، فكذلك في المرّة الأخيرة يخرجونكم منه ويذلّونكم بالأسر والقتل . وفي هذه الجُملة تأكيد على أنّ الّذينَ جاسوا خلال الديار في الجولة الاُولى هم الّذينَ يسوؤون وجوه اليهود في الجولة الأخيرة وهم العراقيون بعون الله تعالى (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) من أملاك اليهود ، يعني وليُدمّروا ما بناهُ اليهود عالياً من أسوار ومُرتفعات وما وطأتهُ أقدام المسلمين من أرض اليهود ومنازلهم تدميراً . فالنصرُ يكون على أيدينا نحن العراقيين في هذه المرّة بعون الله تعالى ومِمّا يؤيّد هذا قول السيد المسيح ، وذلك في إنجيل لوقا في الإصحاح الحادي والعشرين قال: "ومتى رأيتم أورشليم مُحاطةً بجيوشٍ فحينئذٍ اعلموا أنّه قد اقتربَ خرابها، حينئذٍ ليهرب الّذينَ في اليهوديةِ إلى الجبالِ ، والّذينَ في وسطها فليفرّوا خارجاً ، وفي الكُوَرِ فلا يدخلوها لأنّ هذهِ أيام انتقامٍ ليتمّ كلّ ما هو مكتوبٌ ، وويلٌ للحُبالى والمرضعاتِ في تلك الأيامِ لأنّه يكون ضيقٌ عظيمٌ على الأرض وسخطٌ على هذا الشعبِ ، ويقعونَ بفمِ السيفِ ويُسبَونَ إلى جميع الاُمَم وتكون اُورشليم مدوسةً من الاُمَم حتّى تكتمل أزمنة الاُمَم ".

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم