كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
4 - ثمّ وجّه الخطاب للنبيّ فقال تعالى (وَمَا تَأْتِيهِم ) يعني المشركين من العرب (مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ) يعني من آيات القرآن المنزلة من ربّهم (إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) ولكَ مُكذّبين .
5 - (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ ) بهِ محمّد من الأدلّة العقلية والآيات القرآنية فاستهزؤوا بِها ، وكان استهزاؤهم بالآيات المتشابهة من القرآن (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ ) في المستقبل (أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) من الآيات الّتي لم يفهموا معناها ، يعني سوف يأتيهم تأويلها وتفسيرها لكي يعلموا أنّه كلام الله وليس من قول البشر كما زعموا ، وذلك على لسان المهدي المنتظر وقلمه . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة ص {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } أي بعد زمن .
6 - (أَلَمْ يَرَوْاْ ) يعني ألم يعلم هؤلاء المشركون المكذّبون وينظرون في تاريخ الاُمَم الماضية (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) يعني من القرون السالفة الّذينَ كذّبوا الرُسُل (مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ) بكثرة الأموال والأولاد (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ) أيّها العرب المشركون (وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا ) بكثرة الأمطار لإنبات الزرع (وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ) فلمّا أرسلنا إليهم رُسُلاً كذّبوهم وأهانوهم (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) غيرهم .
7 - قال بعض المشركين من قُريش : يا محمّد لن نؤمن لك حتّى تُنزّل علينا كتاباً من السماء مكتوباً في قرطاس ، فنزلت هذهِ الآية (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا ) مكتوباً (فِي قِرْطَاسٍ ) كما اقترحوا عليك يا محمّد (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) ورأوهُ بأعينهم لم يُصدّقوك بل (لَقَالَ الّذينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ، و"القرطاس" هو ورق الكتابة وجمعه قراطيس ، ومن ذلك قول جرير :
كأنَّ ديارَ الحيَّ منْ قِدَمِ البِلَى قَرَاطيسُ رُهبانٍ أحالَتْ سطُورُهَا
8 - (وَقَالُواْ) أي كفّار قريش (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) من السماء فيخبرنا بأنّ محمّداً نبيٌّ وهو صادق في دعوتهِ . فردّ الله عليهم قولهم وقال (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ) بإهلاكهم ، والمعنى : لو أنزلنا ملَكاً من السماء كما اقترحوا لقالوا عند رؤيتهِ هذا سِحرٌ مُبين ، كما قال فرعون وقومه لَمّا رأوا العصا صارت حيّة ، فكذلك قُريش إذا لم يؤمنوا عند رؤية الملَك وجب عليهم الهلاك والدمار وينتهي الأمر بهم إلى النار (ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ) أي لا يُمهَلون .
9 - (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا ) أي لو جعلنا الرسول إليهم ملَكاً (لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ) لأنّ الملائكة أثيريّون لا تراهم الناس ولا تسمع أصواتهم إلا بالإيحاء فينبغي أن نجعل للملَك جسماً مادّياً لكي تراهُ الناس (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) يعني فإذا جعلناهُ رجلاً بأن جعلنا لهُ جسماً مادّياً التَبسَ الأمرُ عليهم كما هم مُلتبسون الآن. ومن ذلك قول الخنساء :
أشَدَّ علَى صُروفِ الدَّهْرِ أيْداً وأفصلَ في الخطُوبِ بِغيرِ لَبسِ
أي بغير التباس . وقال حسّان بن ثابت :
أَمُّوا بِغَزْوِهِمِ الرَّسُوَل وأَلْبَسُوا أَهْلَ القُرَى وَبَوَادِيَ الأَعْرَابِ
والدليل على أنّ الله تعالى قصد بذلك الإلتباس لا اللّباس قولهُ تعالى ( لَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ) ، ولم يقل "للبسنا عليهِ" ، لتكون الكناية للملَك بل كانت الكناية للمشركين بقوله تعالى (عَلَيْهِم) .
10 - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) يا محمّد لَمّا وعدتهم رُسُلهم بالعذاب إن لم يؤمنوا ، فلا يهمّك استهزاؤهم (فَحَاقَ بِالّذينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) يعني أحاط بهم العذاب الّذي كانوا يستهزؤون بوقوعهِ ويسخرون منهُ .
11 - (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ) أي سافروا فيها إلى خرائب هؤلاء الّذينَ كذّبوا الرُسُل وآثارهم (ثُمَّ انظُرُواْ ) وفكّروا (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ) هؤلاء (الْمُكَذِّبِينَ) ، ألم تكن عاقبة تكذيبهم الدمار وخراب الديار ؟
12 - (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) يعني أوجبَ على نفسهِ الرحمة للتائبين النادمين ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {إِلاَّ الّذينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) أي يجمع نفوسكم في عالم الأرواح ، لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ثمّ يُحاسبكم ويجازيكم، فمجمع النفوس يكون بعد الموت في عالم البرزخ (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في الجمع والحشر، فإذا مات الإنسان اجتمعَ بأقاربهِ الأموات ، إنّ الكافرين والمنكرين وُجود النفوس (الّذينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ) حيث أبدلوا الجنَة بالنار والعزّ بالعار (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بالحساب حتّى يموتوا .
13 - (وَلَهُ) أي لله تعالى (مَا سَكَنَ فِي ) جهة (اللّيل) من مخلوقات (وَ) ما سكنَ في جهة (النَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأفعالهم .
14 - (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ) أحبّهُ وأعبدهُ ، والله (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي مُشقّق الأرض في الزمن القديم وجاعلها كواكب سيّارة كثيرة بعد ما كانت أرضاً واحدة ، قال الله تعالى في سورة الأنبياء {أَوَلَمْ يَرَ الّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } ، يعني كانت قطعة واحدة فشقّقناها وجعلناها قِطَعاً كثيرة . وخلق فيهنّ أنواع المخلوقات بعدما كانت ناراً مُلتهبة (وَهُوَ يُطْعِمُ ) هذه المخلوقات كلّها بما هيّأ لها من أسباب معيشتها (وَلاَ يُطْعَمُ ) يعني ولا أحد من هذه المخلوقات يُطعِمهُ شيئاً لأنّهُ لا يحتاج إلى طعام (قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ) من أهل مكّة ، يعني أوّل من استسلم لأمر الله وانقادَ لطاعتهِ (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ) يا محمّد .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |