كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
40 - (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) لأنّ كلّ من عليها من الأحياء يموت وينتقل إلى العالم الأثيري ، ثمّ تتمزّق الأرض فتكون نيازك فلا يبقَى عليها حينئذٍ أحد من الأحياء (وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) بعد موتهم فنحكم فيهم بالعدل ، ومعنى الميراث من قوله تعالى (نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) يعني نرث النفوس بعد انفصالها عن الأجسام فتصبح كلّها تحت حكمهِ وتصرّفهِ وكلّها تذكُرهُ بالذِكر الحسن ، فالمؤمنون منهم يُدخلهم الجنّة فيحمدونهُ ويشكرونهُ على عطائهِ ، والكافرون يُدخلهم النار فيدعونه ويتضرّعون إليهِ ، فتصبح كلّ الناس مُطيعة لله منقادة لأمرِه . وكذلك الحيوان والأشجار والأمتعة الموجودة اليوم في الدنيا تكون إرثاً لأهل الجنّة ، يعني الأثيري منها ، أمّا المادّيات من الأمتعة والأجسام فلا فائدة فيها لأنّها تتمزّق وتتلاشى .
41 - (وَاذْكُرْ) يا محمّد (فِي الْكِتَابِ ) أي في قرآنكَ (إِبْرَاهِيمَ) أي اُذكر لقريش قصّة إبراهيم وشأنه مع قومه ليتبيّن لقريش كذِبهم إذ يقولون نحن نقتدي بهِ (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا ) أي صادق القول لا يكذب (نَّبِيًّا) أي مُخبراً عن الله بما يوحى إليهِ .
42 - (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ ) دعاءَ من يدعوهُ (وَلَا يُبْصِرُ ) من يعبدهُ ويتقرّب إليهِ (وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ) من اُمور الدنيا .
43 - (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ ) بالله والمعرفة (مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي ) بما أقول لك واقتدِ بي (أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) أي اُرشدْكَ طريقاً مُستقيماً يوصلك إلى الجنّة .
44 - (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ) أي لا تعبد الأصنام فيستولي عليك الشيطان بعد مماتك ويستعبدك فتخدمهُ مُرغَماً . فالعبادة يريد بها الخدمة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون حاكياً عن قوم فرعون {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } أي خادمون ، (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ) أي عاصِياً إذ أمرهُ أن يسجدَ لآدم فعصى أمرَ ربّهِ .
45 - (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ ) في الآخرة (مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) بعد موتك في عالم النفوس .
46 - (قَالَ) تارح لإبراهيم (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ) أي أمُعرضٌ أنت عن عبادة آلهتي ؟ يعني عن عبادة الأصنام (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ) أي لئن لم تمتنع عن هذا القول (لَأَرْجُمَنَّكَ) بالحجارة حتّى تموت . ولَمّا ألحّ إبراهيم على أبيهِ بترك عبادة الأصنام قال لهُ سأنظر في هذا الأمر (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) أي اتركني مدّة من الزمن ولا تكرّر عليّ القول حتّى أنظر واُفكّر في ذلك وأستشير عقلي فيما تقول ، فحينئذٍ ظنّ إبراهيم أنّ أباه سيهتدي إلى طريق الحقّ فقال لهُ :
47 - (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ) أي لك السلامة إن اتّبعتني فيما أقول (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) أي كان بي مُحيطاً ، والمعنى : هو مُحيطٌ بأعمالي وأفعالي وأسراري . يُقال "حفّ القوم بهِ" أي أحاطوا بهِ وداروا حولهُ . وقد سبق معنى "الحفيّ " في سورة الأعراف عند قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } ، فإنّ إبراهيم لم يستغفر لأبيهِ إلاّ بعد أن استمهلهُ ووعدهُ بأن يفكّر في الأمر ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } .
48 - (وَأَعْتَزِلُكُمْ) الواو من قوله (وَأَعْتَزِلُكُمْ) معطوف على قوله (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) ، والمعنى : سأعتزلكم بالهجرة عنكم إلى أرض كنعان (وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) يعني وأعتزل الأصنام الّتي تعبدونها من دون الله (وَأَدْعُو رَبِّي ) يعني أدعو الناس إلى عبادة ربّي (عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ) كما شقيتم بدعائكم للأصنام .
49 - (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) أي فلمّا فارقهم وهاجرَ من العراق إلى جهة الأردن (وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ ) من إسحاق حفيداً لهُ ، والمعنى : أطلنا عمرهُ حتّى رأى إبن إبنهِ (وَكُلًّا) من إسحاق ويعقوب (جَعَلْنَا نَبِيًّا ) أي جعلناهما نبيّينِ .
50 - (وَوَهَبْنَا لَهُم ) في الآخرة ، أي لإبراهيم وإسحاق ويعقوب (مِّن رَّحْمَتِنَا ) يعني من نعيم الجنّة (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) يعني وعوّدنا لسانهم على الصدق والحِكمة فلا ينطقون بالكذب ولا بالفحش . فاللّسان يُكنّى بهِ عن الكلام ، والشاهد على ذلك قول عابر بن الحارث :
إِنِّي أَتَتْنِي لِسانٌ لا أُسَرُّ بِها مِن عَلْوَ، لا عَجَبٌ مِنْها ولا سَخَرُ
يعني جاءتني قصيدة لا اُسرّ بها .
51 - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى ) بن عمران (إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ) لله في أقواله وأفعاله (وَكَانَ رَسُولًا ) إلى فرعون وأهله وإلى بني إسرائيل قومه (نَّبِيًّا) أي يُخبر عن الله بما يوحى إليهِ .
52 - (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ) . الطور جبل في صحراء سيناء بين فلسطين ومصر ، ويُسمّى جبل حوريب أيضاً ، وقوله (الْأَيْمَنِ) يعني ناديناهُ من جِهة اليد اليمنى لموسى ، وذلك لَمّا كان مُتّجهاً من مدين إلى جهة مصر يسير في صحراء سيناء ، ومِثلها في سورة القصص قوله تعالى {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ } ، (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) أي وقرّبناهُ منزلةً حتّى أصبح مناجياً لنا يناجي فوق ذلك الجبل .
53 - (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا ) بهِ (أَخَاهُ هَارُونَ ) وزيراً لهُ وجعلنا هارون (نَبِيًّا) أيضاً .
54 - (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ) بن إبراهيم (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ) إذا وعدَ بشيء لا يخلف (وَكَانَ رَسُولًا ) إلى قوم [أو قبيلة] جُرهُم بن قحطان (نَّبِيًّا) يخبر عن الله بما يوحى إليهِ .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |