كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة طه من الآية( 40) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

40 - (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ) مريم تراقب مصيركَ (فَتَقُولُ) لأهل فرعون (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ ) لكم بالرضاعة والتربية ، فوافقوا على ذلك ، فجاءت باُمّها ، فقالت لها بنت فرعون أرضعي لنا هذا الولد وأنا اُعطيكِ اُجرتكِ (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ) برجوعك (وَلَا تَحْزَنَ ) على فراقك (وَقَتَلْتَ نَفْسًا ) من الأقباط لَمّا كبرتَ (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ) الّذي لازمكَ بسبب القتل (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) أي ابتليناك بالقتل والخوف لتخرج من مصر وتذهب إلى مدين لكي نُسيّركَ إلى ما نريدهُ (فَلَبِثْتَ) ثماني (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ )188 ترعَى الغنم ، والدليل على أنّها ثماني سنين وليست عشراً قوله تعالى في سورة القصص {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ } ، (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ ) من الوقت المعيّن لك من عمرك حيث بلغتَ سِنّ الأربعين وقد حانَ إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل من استعباده على يدكَ (يَا مُوسَى ) . وقرية مدين تقع في صحراء سيناء جنوب فلسطين .

41 - (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أي جعلتُ ما صُنِعَ بكَ من تنقّلات من حالٍ إلى حال كلّها كانت لنفسي ، يعني لأجل أن تقوم بتبليغ رسالتي وإنقاذ بني إسرائيل من استعباد فرعون وإرشادهم إلى ديني وعبادتي .

42 - (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي ) أي بالمعجزات التسع (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) أي لا تتوانَيا ولا تقصّرا في بثّ موعظتي لبني إسرائيل وإرشادهم إلى طريق الحقّ ، ومن ذلك قول الهذلي :

                                 لعَمْرُك مَا وَنَى ابْنُ أَبِي أُنَيْسٍ      ولاخامَ القِتالَ ولا أَضاعَا

وقال حسّان :
                                 فَمَا وَنَيْنَا وَمَا خِمْنَا وَمَا خَبَرُوا      مِنَّا عِثَاراً وجُلُّ القَوْمِ قد عَثَرُوا

وقال الأعشى :
                                  وآسِ سَراةَ الْحَيِّ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ      ولا تَكُ عَنْ حَمْلِ الرِّباعَةِ وانِيَا

أي متوانيا .

43 - (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) أي تكبّر وتجبّر .

44 - (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ) ولا تغلُظا في الكلام (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ) أي ربّما يتّعظ ويؤمن (أَوْ يَخْشَى ) عذاب الله فينقاد للحقّ .

45 - (قَالَا) أي قال موسى وهارون (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) بالكلام فيشتمنا ويُهيننا (أَوْ أَن يَطْغَى ) علينا فيقتلنا .

46 - (قَالَ) الله تعالى (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا ) بالمساعَدة (أَسْمَعُ) ما يقول لكما (وَأَرَى) أفعالهُ .

47 - (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ) أرسَلَنا إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي أطلِقْهم ليذهبوا إلى حال سبيلهم (وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ) بالأشغال الشاقّة (قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ) وهي العصا (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) أي سلامة من العذاب لمن اتّبع الهُدى .

48 - (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ ) بآيات ربّهِ (وَتَوَلَّى) عن الإيمان برُسُلهِ .

49 - (قَالَ) فرعون (فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى) ؟

50 - (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ ) من نبات وحيوان وإنسان (خَلْقَهُ) أي صورتهُ الّتي هي على شكلهِ ، وهي النفس الأثيريّة ، فكلمة "شيء" تُطلَق على المادّة ، والمعنى : أعطى لكلّ جسم حيّ حياتهُ بإدخال الروح فيهِ فأصبح حيّاً (ثُمَّ هَدَى ) يعني ثمّ هداهُ إلى اُمور معاشهِ وكيفيّةِ تحصيلها ، فالحيوان هداهُ بالغريزة ، والإنسان هداهُ بالعقل والتفكير .

51 - ولَمّا قال موسى (إنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ ) ، أجابه فرعون (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ) لم تتعذّب بل صاروا تراباً ؟ ولم يعلم فرعون بأنّ النفس هيَ الإنسان الحقيقي وما الجسم إلاّ قالَب تتكوّن فيهِ النفس ، ولم يعلم أنّ العذاب والنعيم للنفوس خاصّة دون الأجسام ، ولذلك اعترض على موسى بهذا القول ، فأجابهُ موسى:

52 - (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ) يعني إنّ النفوس باقية لا تفنى وأمّا تعذيبها فذلك راجع إلى الله إن شاء عذّبها في عالم البرزخ وإن شاء عذّبها يوم القيامة ، وأمّا سيّئاتها فمكتوبة (فِي كِتَابٍ ) أعمالها (لَّا يَضِلُّ رَبِّي ) فيعذّب غير المذنب (وَلَا يَنسَى ) فيترك المذنب بلا تعذيب .

53 - (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ) أي جعلها مُمهّدة للزرع والسُكنى والمعاش والسفر وغير ذلك (وَسَلَكَ) أي جعلَ وسهّلَ (لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ) وهي المسالك بين الجبال والأودية والطُرُق في الصحارى من بلدةٍ إلى اُخرى (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً ) أي المطر (فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا ) أي أصنافاً (مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ) أي نباتات مُختلفة في الألوان والطعم والرائحة .

54 - (كُلُوا) من أثمارها (وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ) من نباتاتها (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) أي في تمهيد الأرض للزراعة وإنزال المطر من الفضاء وخروج النبات من الأرض (لَآيَاتٍ) أي لأدلّة واضحة على وجود مكوّن للأرض والمطر وخالق لها ولهذه النباتات والأنعام ، فهذه كلّها آيات (لِّأُوْلِي النُّهَى ) أي لذوي العقول الّذينَ ينهَون الناس عن فِعل المحرّمات ، يعني الّذينَ ينهَون عن المنكَر ويأمرون بالمعروف ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :

                                لِيَبْكِ الخَيْرَ صَخْراً مِنْ مَعَدٍّ      ذَوُو أحْلامِها وذَوُو نُهَاهَا

وقال الأعشى :
                         تَعالَوا فَإنّ العِلْمَ عندَ ذَوِي النُّهَى      مِنَ الناسِ كالبَلْقاءِ بادٍ حُجُولُهَا

------------------------------------

188 :قبيلة مدين انقسموا قِسمين ، قِسمٌ منهم آمنوا بالنبيّ شُعيب فابتعدوا عن قومهم فنجَوا من الزلزال ، وقِسمٌ لم يؤمنوا فبقُوا في مكانهم فأخذهم الزلزال وماتوا ، وكانت الحادثة بعد قوم لوط ، وقبل مجيء موسى ، ولكن قوله تعالى (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) يعني المؤمنين من أصحاب مدين الّذينَ نجَوا من الزلزال ونسلهم الباقي إلى زمان موسى ، ولذلك قال تعالى (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ) ، ولم يقل في قوم مدين . وقد سبق الكلام عن مدينة مدين في سورة الأعراف .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم