كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
44 - (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ) يعني قالوا هذه أخلاط أفكار ، فكلمة "حلم" معناها الفكر والعقل ، والشاهد على ذلك قول زُهير بن أبي سلمى :
وإنَّ سفاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ وإنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفاهَةِ يَحْلُـمِ
وقال عنترة :
ولِلْحِلْمِ أوقاتٌ وللجَهلِ مثْلُها ولكنَّ أوقاتي إلى الحِلْمِ أقْرَبُ
والمعنى : إنّ الرؤيا نتيجة أفكار يُفكّر بها الإنسان في النهار فيراها في منامهِ ليلاً (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ) . وحينئذٍ تذكّر الساقي قول يوسف فاخبر الملِك عنهُ .
45 - (وَقَالَ الَّذِي نَجَا ) من القتل ، وهو الساقي (مِنْهُمَا) أي الّلذَينِ قصّا رؤياهما على يوسف (وَادَّكَرَ) أي وتذكّرَ وصيّةَ يوسف لهُ ، ومن ذلك قول الخنساء تصفُ بقرة أكلَ إبنها السبعُ :
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا ادّكرَتْ فإنّما هِيَ إقْبالٌ وإدْبارُ
ي
عني إذا تذكّرت ولدها ثارت فتذهب يميناً وشمالاً تبحث عن ابنها. وقال حسّان بن ثابت الأنصاري:
فَلَبِثْتُ أزْماناً طِوالاً فِيهِمُ ثُمَّ ادَّكَرْتُ كَأَنَّنِي لَمْ أَفْعَلِ
وقال الأعشى :
خَالَطَ القَلْبَ هُمُومٌ وَحَزَنْ وادِّكَارٌ بَعْدَ ما كَانَ اطْمَأَنْ
(بَعْدَ أُمَّةٍ ) أي بعد جماعةٍ من الكهنة الّذينَ لم يعرفوا رؤيا الملِك ولم يعلموا تعبيرها ، قال (أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ) أي بتأويل رؤيا الملِك (فَأَرْسِلُونِ) إلى يوسف كي أقصّ عليهِ الرؤيا وآتيكم بالجواب . فإذنَ له الملِك بالذهاب إلى يوسف فلمّا وصل إليهِ الساقي قال :
46 - (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ) أي أخبرنا وعبّر لنا (فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ) يعني إلى الملِك وأصحابهِ الكهنة الّذينَ جمعهم لتعبير الرؤيا (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) فضلكَ وعِلمكَ .
47 - (قَالَ) يوسف (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ) أي مُتواليات على عادتكم ، فكلمة "دأب" معناها العادة المستمِرّة ، والشاهد على ذلك قول الشاعر " وَذلكَ دَأبي لا يزالُ ودَأبُهُ " أي عادتي وعادتهُ ، (فَمَا حَصَدتُّمْ ) من الزرع (فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ) يعني اُتركوهُ في سنابلهِ ولا تدوسوهُ لئلاّ تتلفهُ الحشرة (إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ) فدوسوهُ وذرّوهُ وكُلوهُ .
48 - (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ ) أي سبع سنين مُجدبات لا يكون فيهنّ نبات ولا ينزل فيهنّ مطر فيشتدّ الجوع على الناس (يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ) من طعام ، يعني يأكل الناس ما ادّخرتم من الطعام في السنين المخصِبة (إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ) يعني مِمّا أخفيتموهُ في الحصون وحافظتم عليهِ .
49 - (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ ) جيّد خصب كثير الأمطار (فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ) يعني في ذلك العام ينزل عليهم الغيث ، يعني المطر (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) الفواكه لكثرتها ، وهيَ الرمّان والبرتقال واللّيمون والعنب والزيتون وغير ذلك .
50 - فرجع الساقي من عند يوسف وأخبرَ الملِك بتأويل الرؤيا (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) أي بيوسف الّذي عبّر رؤيايَ (فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ) أي فلمّا جاءَ رسول الملِك إلى يوسف ليأخذهُ إلى الملِك (قَالَ) يوسف لرسول الملِك (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) يعني إلى سيّدك الملِك (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) وإنّما امتنعَ عن الخروج من السجن وقال ذلك لرسول الملِك ليُثبتَ براءتهُ من الفاحشة الّتي اتّهمتهُ بها زُليخا (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) فيُظهر براءتي اليوم أمام الناس . فرجعَ الرسول إلى الملِك وأخبرهُ بما قالهُ يوسف ، فأرسل الملِك على النسوة [ أو استدعاهنّ ] وسألهنّ عن شأن يوسف وعن سبب تقطيع أيديهنّ .
51 - (قَالَ) الملِك للنسوة (مَا خَطْبُكُنَّ ) أي ما بالكنّ وما قِصّتكنّ مع يوسف (إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ) هل وجدتُنّ منهُ مَيْلاً إليكنّ (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ) أي لم نرَ عليهِ أيّ دليل على أنّه الّذي أرادَ بها الفاحشة . وهذه تبرئة ليوسف من ارتكاب الفاحشة ، حينئذٍ (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ) زُلَيخا (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) أي ظهرَ الحقّ وتبيّن ، يعني كلّ واحدة من النسوة أدّت حصّتها من الحقّ بشهادتها (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) في قولهِ .
52 - (ذَلِكَ) الّذي طلبتُهُ من إحضار النِسوة والتحقيق معهنّ في شأني (لِيَعْلَمَ) يوسف (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) أي بما غاب عنهُ من مكانٍ أو زمان (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) إلى الخيانة بل الشيطان يهديهم إلى ذلك ، والمعنى : من كان من حِزب الله لا يخون ، ولكن من كان من حزب الشيطان فهو يخون .
53 - (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ) عن الشهوة الجنسيّة والميل إلى الجمال من الرجال (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) لِما فيها من الغريزة الجنسيّة (إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ ) لِما صدرَ منّي (رَّحِيمٌ) بالتائبين .
54 - (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) أي بيوسف (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) أي أجعلهُ خالصاً لنفسي في تدبير المملكة وأستشيرهُ في الاُمور لأنّه فاهم وأمين لا يخون (فَلَمَّا) جاءهُ يوسف و (كَلَّمَهُ قَالَ ) الملِك ليوسف (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ )170 أي إنّك عندنا ذو مكانة وأمانة فاصنع في المملكة ما شئتَ .
------------------------------------170 :لم يكن ذلك الملك من الفراعنة بل كان من الهكسوس وكانت لهم السّلطة على مصر في ذلك الزمن .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |