كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنفال من الآية( 50) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

50 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حال من مات من المنافقين واليهود الكافرين فقال (وَلَوْ تَرَى ) حالهم يا محمّد (إِذْ يَتَوَفَّى الّذينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ ) يعني حين كانت الملائكة تقبض نفوسهم من أجسامهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) أي الُمحرق لكلِّ مادّة .

51 - ثمّ خاطب الأحياء منهم فقال تعالى (ذَلِكَ) العذاب المحرِق الّذي ذاقهُ مَن مات منكم مُعَدٌّ لكم أيضاً (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) من ظُلمٍ وكفرٍ ونفاق (وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .

52 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في ذم اليهود بسبب تكذيبهم بالقرآن فقال (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) يعني دأبهم في التكذيب لآيات الله كدأبِ آل فرعون ، و"الدأب" هوَ العادة المستمرّة (وَالّذينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ ) فكذلك اليهود المعاصرون لك كفروا بآيات الله وجحدوها (فَأَخَذَهُمُ اللّهُ ) بالعذاب وأغرقهم في البحر الأحمر (بِذُنُوبِهِمْ) أي بسبب ذنوبهم الّتي استحقُّوا عليها العذاب (إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ ) في المؤاخذة (شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن يكفر بآياتهِ .

53 - (ذَلِكَ) العذاب لهم (بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) من صلاحٍ إلى فساد ، وكذلك بنو النضير لم يكن الله ليُخرجهم من ديارهم ويذلّهم لو لم يكفروا بآيات الله الّتي نزلت على محمّد ثمّ نقضهم لِما عاهدوهُ فخانوا العهد وحالفوا قريشاً على قِتالهِ (وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ ) لِما حالفوا بهِ قُريشاً (عَلِيمٌ) بنواياهم الباطلة .

54 - دأبهم في نقض العهود (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ) مع موسى فكلَّما عاهدوهُ بأن يُرسلوا معه بني إسرائيل إذا زال العذاب عنهم نقضوهُ ولم يُطلقوا بني إسرائيل من استعبادهم (وَالّذينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ ) الّتي جاءت بها رُسُلُهُ (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ ) في البحر (وَكُلٌّ) مِمَّن كَذّب الرُسُل (كَانُواْ ظَالِمِينَ ) .

55 - ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ) على الأرض (عِندَ اللّهِ ) اليهود (الّذينَ كَفَرُواْ ) بالقرآن (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بك ولا بالقرآن بسبب حسَدهم وعنادهم .

56 - (الّذينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ) أي من اليهود على الصُّلح ونبذ القتال وأن لا يُعينوا على قتاله أحداً من المشركين ، وهم بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قُريظة (ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ ) معك يا محمّد (فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ) عاقبة نقض العهد وما يقع بعدهُ من خراب وتدمير وقتل .

57 - ثمّ خاطب الله رسوله فقال تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ) يعني إن ظفرتَ بهم وأدركتهم في الحرب (فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ) يعني فنكّل بهم واضربهم مِنْ خلفهم إذا انهزموا أمامك (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي لعلّهم يتعِظون ولا يخونون بعد ذلك .

58 - (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ) تبدو آثارها عليهم (فَانبِذْ إِلَيْهِمْ ) العهد (عَلَى سَوَاء ) منك ومنهم ، يعني أعلمهم بأنّك تركتَ العهد الّذي بينك وبينهم لأنّهم يُريدون نقضهُ ، ولا تبدأهم بالقتال قبل أن تُعلمهم بترك العهد والشروط الّتي بينك وبينهم لئلّا ينسبوك إلى الخيانة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) سواءً يهوداً كانوا أو مسلمين .

59 - (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) ينتصرون عليكم مهما (سَبَقُواْ) في إعداد العُدّة والسلاح (إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ) مهما زاد عددهم وكثُرَ سلاحهم .

60 - (وَأَعِدُّواْ لَهُم ) أي للمشركين (مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) أي من ذخيرةٍ وسلاح (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ) أي ومن مُرابطة الخيّالةِ في حدودِ العدوِّ ومقابلتهم . فالخيل كناية عن الخيّالة ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء مخاطباً إبليس {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يعني بخيّالتك ورجّالتك ، (تُرْهِبُونَ بِهِ ) أي تخوّفون بما تعدّونه لهم (عَدْوَّ اللّهِ ) وهم اليهود (وَعَدُوَّكُمْ) وهم مشركو العرب (وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ ) أي غير ما ذكرنا (لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ) لأنَّهم غير حاضرين معكم ولا في أرضكم ، وهم أهل فارس وغيرهم مِمّا فتح المسلمون بعد وفاة النبيّ (اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) فأخبركم عنهم (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) أي تستوفون بدله الواحد بعشرة في الدنيا وسبعمائة في الآخرة (وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) أي لا تُنقَصون شيئاً منه .

61 - (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ ) يعني إنْ مالوا للصُلح وترك القِتال ، ومن ذلك قول عنترة :

                             فسيرِي مسيرَ الأمنِ يا ابنةَ مالكٍ      ولا تجنحِي بعدَ الرجاءِ إلى اليأسِ

وقال حسّان :
                               وَأَسْمَعَكَ الدَّاعِي الفَصِيحُ بِفُرْقَةٍ      وَقَدْ جَنَحَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِتَغْرُبَا

(فَاجْنَحْ لَهَا ) أي مِل إليها واقبل منهم بالصُلح (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنواياهم فيخبرك بها .

62 - (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ ) باِسم الصُلح والسِلم (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ ) يعني فإنَّ الله يكفيك شرَّهم فيخبرك بنواياهم لتأخذ الحذر منهم (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) من أصحابك

63 - (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) ومنهم الأوس والخزرج فأصبحوا إخواناً في الدين بعدما كانوا مُتباغضين مُتعادين يقتلُ بعضهم بعضاً (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) أي ما في الكواكب السيّارة بأجمعها من مالٍ (مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) لِشدّةِ العدواة الّتي كانت بينهم (وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) بالإسلام فجعلهم مُتحابّين مُتوادِدين (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) لا يمتنع عليه شيءٌ يُريد فِعلَهُ ولا يفعل إلاّ ما تقتضيهِ الحِكمة .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم