كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
51 - (وَأَنذِرْ بِهِ ) أي بالقرآن (الّذينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ ) لسوء بعض أعمالهم ، يعني : أنذِر المؤمنين ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الرحمن {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وقال تعالى في سورة النازعات {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } ، (لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ ) يتولّى أمرهم غير الله (وَلاَ شَفِيعٌ ) يرجون شفاعتهُ غير رحمة الله وعفوهِ عنهم ، أنذِرْهم بهِ (لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) المعاصي ، أي يتجنّبونها .
52 - ولَمّا طعنَ المشركون في فقراء المسلمين وطلبوا من النبيّ أن يطردهم ليُجالسوهُ ، نزل قوله تعالى (وَلاَ تَطْرُدِ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) يعني يذكرون الله في الصباحِ والمساءِ ، والمعنى : يدعونهُ ويذكرونهُ على الدوام ، لأنّ هذه الجُملة مُستعمَلة عند العرب وهي تعبيرٌ عن الدوام (يُرِيدُونَ) بذلك الدعاء (وَجْهَهُ) أي جهتهُ ، يعني يريدون الجنّة الّتي هي في السماء في جهة الله تحت عرشهِ فيكونوا بجواره ، فكلمة "وجه" يُراد بها الجهة وهيَ مُستعملة عند العرب ، والشاهد على ذلك قول اُميّة بن أبي الصّلت :
إذا اكْتَسَبَ المالَ الفَتَى مِنْ وُجُوهِهِ وأَحْسَنَ تَدْبِيْراً لَهُ حِيْنَ يَجْمَعُ
وقال عنترة :
فما تَرَكْتُ لهمْ وَجْهاً لِمُنْهَزِمٍ ولا طريقاً يُنجِّيهِمْ منَ العَطَبِ
(مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ ) إن كان باطنهم غير مُرضٍ ، لأنّ مشركي قريش قالوا للنبيّ : "ما تبعك هؤلاء إلاّ لفقرهم واحتياجهم إلى مواساتك ولكنّهم غير مؤمنين بك إيماناً صادقاً " ، فلا تسمع لقول المشركين (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) لهم .
53 - (وَكَذَلِكَ) أي كما فتنّا مَن قبلهم كذلك قريش (فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ ) أي فتنّا الأغنياء منهم بالفقراء ، و"الفتنة" هي البليّة والمشكلة والاختبار ، ومن ذلك قول عنترة :
يا عبلَ كمْ فِتْنَةٍ بُلِيتُ بِها وخُضتُها بالمهنّدِ الذَّكَرِ
(لِّيَقُولواْ) الأغنياء حين تنكشف لهم عن الحقيقة وذلك بعد مماتهم أو في حياتهم بعد فوات الوقت (أَهَـؤُلاء) الفقراء (مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم ) بالإسلام (مِّن بَيْنِنَا ) فسبقونا إليهِ ؟ فيجيبهم الملَك الموكّل بتعذيبهم فيقول (أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) فهداهم إلى طريق الإسلام فأسلَموا .
54 - ثمّ أمرَ الله رسوله أن يبدأهم بالسلام كلّما رآهم إكراماً لهم فقال تعالى (وَإِذَا جَاءكَ الّذينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا ) أي بالقرآن (فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ ) في اللّوح المحفوظ (عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) لكم ، يعني تعهّد الله سبحانهُ بأن يرحمهم في الآخرة ولا يُعذّبهم ولو صدرَ منهم ذنب فقال تعالى (أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ ) أي من بعد السوء الّذي عملهُ (وَأَصْلَحَ) أعماله (فَأَنَّهُ) أي الله تعالى (غَفُورٌ) للتائبين (رَّحِيمٌ) بالنادمين .
55 - (وَكَذَلِكَ) أي كما ضربنا لهم الأمثال كذلك (نفَصِّلُ) لك (الآيَاتِ) بعد الإيجاز لتعلم أخبار الماضين (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) أي وليتبيّنَ لك طريق المجرِمين الّذي هم فيهِ سائرون
56 - (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ) الملائكة (الّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) وتجعلونهم شُفعاء عند الله (قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ ) فيما تدّعون (قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا ) إن اتّبعتُ أهواءكم (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) لأنّ عبادة المخلوقين إشراك بالله .
57 - (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ) بما جاءني من الوحي وما أعطاني من كتاب (وَكَذَّبْتُم بِهِ ) أي بالقرآن (مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) من العذاب (إِنِ الْحُكْمُ ) في ذلك (إِلاَّ لِلّهِ ) يعني ما الحُكمُ في إنزال العذاب عليكم إلاّ لله وليس لي (يَقُصُّ الْحَقَّ ) علينا بكتابهِ ووحيهِ ويفصلُ بيننا بحُكمهِ (وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) يوم القيامة .
58 - (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) من العذاب (لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) بأن اُنزِل العذاب عليكم وأستريح من شرِّكم ولكن ليس ذلك بيدي (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) ولكن يُمهلهم لمصلحةٍ لا تعلمها .
59 - كانت قريش تحيك المؤامرات ضدّ النبيّ (ع) وتريد الفتك بهِ ، وكان اللهُ تعالى يُخبرهُ بذلك فيأخذ الحذر منهم ، فقال بعضهم لبعض : "مَن أخبر محمّداً بما أضمرناهُ لهُ فهل محمّد يعلم الغيب أم أنّ أحداً من قريش يُخبرهُ بذلك فيأخذ الحذر؟ " فنزلت هذه الآية (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) أي عند الله أنباء الغيب وكشفها ، فكلمة "فتح" معناها كشف عن مُستقبل ، وجمعها "مفاتِح" ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذينَ كَفَرُواْ } أي كان اليهود يُنبئون المشركين من العرب ويكشفون لهم عن نبيٍّ يخرج من أرضهم وبلادهم . وقوله (لاَ يَعْلَمُهَا ) أحدٌ من الناس (إِلاَّ هُوَ ) يعلمها فيخبر بها رسوله ويكشف لهُ عن أسرارهم ليأخذ الحذر (وَيَعْلَمُ) أيضاً (مَا فِي الْبَرِّ ) من مخلوقات برّية (وَالْبَحْرِ) من مخلوقات بحريّة (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ ) من الأشجار (إِلاَّ يَعْلَمُهَا ) فهو يُحصي أعمالكم والملائكة تكتبها (وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) يعني مهما عملتم من صغيرة أو كبيرة تُكتَب في صحائف أعمالكم ويتبيّن لكم ذلك في الآخرة . ونظيرها في سورة سبأ قوله تعالى {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |