كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأحزاب من الآية( 52) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

52 - ولَمّا كملت عند النبيّ تسع من الزوجات نزلت عليهِ هذه الآية (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ ) يعني من بعدِ هؤلاء التسع (وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ) يعني ولا أن تُطلّق واحدة منهنّ وتتزوّج اُخرى بدلها لتكمل التسع (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) من السراري (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) فيراقب أعمالك ويعمل ما فيهِ خيرٌ لك .

53 - لَمّا تزوّج النبيّ بزينب أولمَ وليمةً لأصحابه فصاروا يأكلون ويخرجون إلا ثلاثة منهم أكلوا وجلسوا بعد الأكل يتحدثون فيما بينهم ، فنزلت فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ ) يعني إلى أكل الطعام (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) معناه غير منتظرين خروج النبيّ لتخرجوا معه فكلمة "غير ناظرين" معناها غير منتظرين .

ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الأعراف {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي إنتظرني وأمهلني ، وكلمة "آن" معناها الوقت ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الحديد:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} يعني ألم يحِن الوقت لذلك؟والشاهد على ذلك قول عنترة :

                              فإني لستُ خاذلَكمْ ولكنْ      سأسعَى الآنَ اذْ بلغَتْ إناها

يعني بلغت وقتها ومنتهاها . وضمير الهاء من قوله تعالى (إناه) يعود للنبي والمعنى غير منتظرين وقت خروجه من الدار لتخرجوا معه بل يجب عليكم أن تخرجوا عند إكمال الأكل ، وذلك قوله تعالى (وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا ) بعد الطعام ، يعني فاخرجوا من بيته بعد الأكل (وَلَا) تبقوا جالسين (مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) فيما بينكم تتسامرون (إِنَّ ذَ‌ٰلِكُمْ ) الانتظار وإطالة الحديث في بيته (كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ) أنْ يخرجكم من بيته (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي لايرى في ذلك حياءً ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا) يعني إذا سألتم أزواج النبي شيئاً من متاع الدنيا (فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ) لئلا يقع نظركم عليهنّ ( ذَ‌ٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريبة ومن خواطر الشيطان (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) بشيء من ذلك (وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) أي من بعد وفاته ، لأنّ ازواجه صارت أُمهاتِكم (إِنَّ ذَ‌ٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) فاجتنبوه .

54 - (إِن تُبْدُوا شَيْئًا ) ممّا نُهيتم عنه (أَوْ تُخْفُوهُ) في أنفسكم (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) فيعاقبكم عليهِ .

55 - ولَمّا نزلت آية الحجاب قال آباؤهنّ وإخوانهنّ يا رسول الله ونحن أيضاً نُكلّمهنّ من وراء حجاب ، فنزلت هذه الآية (لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ ) يعني لا يحتجبنَ عنهم (وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) من العبيد والإماء يجوز أن يُكلّموهنّ بدون حجاب (وَاتَّقِينَ اللَّهَ ) في التكلّم مع الأجانب بدون حجاب (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) أي حاضراً يسمع ويرَى .

56 - ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ). الصلاة مشتقة من الإيصال والاتّصال ومنها صلة الرحم.

قال الله تعالى في سورة الرعد : {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَل}، أي يصلون النبيّ بالوحي والخيرات والنصر على الكافرين وأخبار المشركين ومكايدهم ليأخذ الحذر منهم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) أي اتّصلوا به وتعلّموا أُمور دينكم منه وانقادوا لأمره . فكلمة "عليه" تكون بمعنى إليه .
ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا } معناه وحشرنا إليهم . وقال تعالى في سورة الصافات في وصف أهل الجنة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} يعني فأقبل بعضهم إلى بعض .

(وَسَلِّمُوا ) لحكمه (تَسْلِيمًا) فلا تعترضوا على حكمه وأوامره . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة النساء {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} والمعنى حتى ينقادوا لأمرك فلا يعترضوا عليه .

إنّ الله تعالى أمر المسلمين أن يتّصلوا بالنبيّ ويتعلّموا أمور دينهم منه ويسمعوا لقوله ويعملوا بأمره ، هذا في حياته ، أما اليوم فليس النبيّ موجوداً فينا لكي نتّصل به ، فيجب أن نقول اللّهم سلِّم على محمدٍ كما سلّمتَ على إبراهيم إنّكَ حميدٌ مجيد . فإن الله علّمنا أن نسلِّم على أنبيائه اذ بدأ هو بالسلام عليهم ، فقال تعالى في سورة الصافات {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ، وقال {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} . يعني إلياس ، هو النبي إشعيا ، وقد سبق الكلام عنه في سورة الأنعام في آية 85 ، وقال تعالى {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } ، وقال {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} ، وقال في سورة هود {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} وقال تعالى في سورة النمل {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ} . فإذا ذُكِر عندَكَ أحدُ الأنبياء فقل عليه السلام ، ولا معنى لمن يقول عليه الصلاة .

57 - (إِنَّ الّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) أي يؤذونهما بالكلام اللاّذع ، يعني بالكفر بالإهانة بالسُخرية (لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا) أي أبعدهم عن رحمتهِ (وَ) في (الْآخِرَةِ) أبعدهم عن جنّتهِ (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم