كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
53 - (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) أنعمَ بها عليكم (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) يعني إليهِ تصرخون ولهُ تدعون ليُنقذكم من الشدائد ، والمعنى : وقت الشِدّة تدعون الله وتشكون إليهِ ما بكم من ضُرّ لينقذكم منهُ ولكن وقت الرخاء تنسَونهُ وتعبدون غيره .
54 - (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) فيجعلون لهُ شُركاء في العبادة .
55 - (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ ) يعني أرادوا بالإشراك نُكران نِعمتنا عليهم ، فقالوا أتتنا هذهِ النِعم بواسطة آلهتنا وببركتها ، فقال الله تعالى (فَتَمَتَّعُواْ) بدنياكم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) عاقبةَ كفركم وإشراككم بربّكم .
56 - (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ ) يعني يجعلون نصيباً لِشركائهم الّتي لا تعلم بفعلهم هذا ولا بالنصيب الّذي جعلوهُ لها (نَصِيبًا) أي حصّةً (مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) من الأنعام والحرث تقرّباً إليها بزعمهم ، كما ذكرها سُبحانهُ في سورة الأنعام ، وكذلك تفعل اليوم أكثر الناس فيجعلون للمشايخ والأئمّة نصيباً من أنعامهم وأملاكهم يوقفونها وقفاً لهم ولقبورهم (تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ) على الله من الأكاذيب بأنّ الله أكرمها وأعطاها الشفاعة فتشفع لكم عند الله بزعمكم
57 - (وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ ) بزعمهم ، فقالوا الملائكة بنات الله وهي تشفع لنا عند الله (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ البنات (وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ ) يعني ويُريدون لهم الأولاد ولا يُريدون البنات .
58 - (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ) بأن ولدت له زوجتهُ بنتاً (ظَلَّ) أي بقيَ (وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ) من الخجل ، وهذا مثَل يُضرَب عند العرب في العار والخزي (وَهُوَ كَظِيمٌ ) أي ممتلئ غيظاً وحُزناً بسبب البنت الّتي وُلِدَتْ لهُ .
59 - (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ) أي يختفي عن قومهِ لئلاّ يرَوهُ حياءً منهم وخجلاً (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ) يعني يُشاور نفسهُ أيُمسكها في بيتهِ على ذلّ وهوان الّذي أصابهُ بسببها أم يدسّها في التراب فتموت ويرتاح من عارها ، وهذا يُسمّى عندهم "الوأد" الّذي كان من عادة بعض القبائل فيحفرُ حُفرَةً في الأرض ويدفه بنتهُ وهيَ حيّة خوف العار (أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) يعني ساءَ الحُكم حُكمهم هذا بأن يجعلون لأنفسهم ما يشتهون وللهِ ما يكرهون . ثمّ قال تعالى :
60 - (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) أي لهم سواد الوجه والخزي في الآخرة ، وهو المثَل الّذي ضربهُ لهم بقولهِ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } ، (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ) وهو العِزّة والسُلطان ، فالمثَل الأعلى الّذي يُضرَب بين الناس في العِزّةِ يقولون "عزيزٌ كأنّه سُلطان" ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ ) في سُلطانهِ (الْحَكِيمُ) في خلقهِ .
61 - (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم ) مُعجّلاً لهم العذاب (مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ ) أي ما ترك على ظهر الأرض من دابّةٍ تدبّ عليها بل لأهلكهم جميعاً (وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ ) أي يؤخّرُ عِقابهم (إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) يعني إلى وقتِ مماتهم فيُعاقبهم في عالم النفوس (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ) بالموت (لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ) عنهُ (وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) يعني لا يتمكّن أحد أن يؤخّر مماتهم ساعةً واحدة ولا يُقدّمها ساعة .
62 - (وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ ) لأنفسهم ، يعني البنات (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ) بقولهم (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ) عند الله ، يعني يقولون لنا العاقبة الحُسنى عند الله ، فقال تعالى ردّاً على قولهم (لاَ جَرَمَ ) أي لا شكّ ولا ريبَ ، وقد سبق معناها في سورة هود (أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ ) في الآخرة (وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ ) أي مُتفرّقون مُتشتّتون بالموت لا يدوم شملهم ولا يقوى جمعهم .
63 - (تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا ) رُسُلاً (إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) الباطلة فكذّبوا رُسُلنا وسَخِروا منهم فانتقمنا من الّذينَ كذّبوا (فَهُوَ) أي الشيطان (وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ) في عالم النفوس ، أي يتولّى أمرهم ويحكم عليهم ويذلّهم ، يعني في الدنيا يُغويهم وفي عالم البرزخ يستعبدهم فيخدمونهُ (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يوم القيامة .
64 - (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) يعني القرآن ، وإنّما قال تعالى (الْكِتَابَ) ولم يقل القرآن ، معناهُ أنزلنا عليك ما في الكُتُب السابقة من أحاديث وقصص الاُمَم الماضية (إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) عن الحقّ إلى عبادة الأصنام وكثرة الأوهام في الحلال والحرام وإنكار البعث والحساب ، فالقرآن نورٌ (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
65 - (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ ) بالنبات وكثرة الخُضر (بَعْدَ مَوْتِهَا ) بالجدب (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) ويعقلون .
66 - (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ) أي عِظةً ودلالة على قدرة الله تعالى (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا ) لم يُخالطهُ فرث ولا دم ، لأنّ العلف الّذي تأكله الأنعام يتكوّن منهُ الدم واللّبن والباقي يكون فرثاً (روث) ، فإنّ الله تعالى لم يقصد بقوله (مِن بَيْنِ ) المكان الواقع بين الفرث والدم ، ولكن هذا مثَل يُضرَب للقدرةِ والاستطاعة ، تقول العرب "من بين المئات نجحتُ أنا" ، و"من بين الناس رأيتُ الهلال وحدي" ، والمعنى : كانت ليَ الاستطاعة على النجاح فنجحتُ ورأيتُ . فقوله تعالى (مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ ) ، يعني إنّ الغذاء يتكوّن منه الدم والباقي يكون فرثاً ، ولكن بقدرتنا واستطاعتنا أنشأنا منهما نوعاً آخر وهو اللّبن ، وذلك بأن صنعنا جهازاً آخر لتكوين اللّبن في ضرع الاُنثى من الأنعام وغيرها فأسقيناكموهُ (سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ) أي طيّباً وهنيئاً للشاربين ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :
وساغَ لِيَ الشَّرابُ وكُنْتُ قَبْلاً أكادُ أغصُّ بِالماءِ الحَمِيمِ
وإنّما جاءَ على التذكير قوله تعالى (مِّمَّا فِي بُطُونِهِ ) ولم يأتِ على التأنيث ، أرادَ بذلك الضرع وهو إسمٌ مذكّر ، والمعنى : نسقيكم مِمّا في بطن الضرع ، لأنّ اللّبن ليس مكانه في بطن الأنعام بل في ضرعها ولذلك جاء اللّفظ على التذكير .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |