كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
54 - (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ ) من أموال (لاَفْتَدَتْ بِهِ ) عن العذاب ولكن لا يُقبَل منها الفداء (وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ ) يعني تابَعوا الندامة بعضها إثرَ بعض . فالأسرار بفتح الألف جمع سِرّ ، والإسرار بكسر الألف تتابع السير ليلاً ، وتتابع العمل ،
ومن ذلك قول الأعشى يصفُ امرأة :
لَهَا كَبِدٌ مَلْسَاءُ ذَاتُ أسِرَّةٍ ونَحْرٌ كَفاثُورِ الصَّرِيفِ الْمُمَثّلِ
فقول الشاعر "ذَاتُ أسِرَّةٍ " يعني بطنها ذات خطوط مطويّة مُتتابعة بسبب سِمنتها وبياضها ، يعني مثل خطوط الجبين المتتابعة ، وفي مختار الصحاح قال : "السِرار" واحد أسرار الكفّ والجبهة وهي خطوطها ، يعني التجعّدات الّتي فيها . وقال امرؤ القيس يصف السماء والجبال الّتي تحتها وقت غروب الشمس وهي مُكلّلة بالغيوم :
مُكلّلةً حَمْراءَ ذاتِ أسِرَّةٍ لها حُبُكٌ كأنّها من حبائلِ
(وَقُضِيَ بَيْنَهُم ) أي بين التابعين والمتبوعين (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) .
55 - (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي ما في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض من أملاك فلا حاجة له بالمال ليأخذ منهم الفداء (أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ ) في البعث والحساب والعقاب (حَقٌّ) أي كائنٌ لا مَحالة (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) الحقيقة .
56 - (هُوَ يُحْيِي ) أي يُنشئ من الماء والتراب أحياءً (وَيُمِيتُ) بعدّة أسباب (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) بعد موتكم .
57 - (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم ) آيات القرآن (مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ) من الأمراض النفسيّة والجهل والنفاق (وَهُدًى) إلى طريق الحقّ (وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) ينالونها في الآخرة .
58 - (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (بِفَضْلِ اللّهِ ) أسلم المؤمنون (وَبِرَحْمَتِهِ) يعيشون في الآخرة (فَبِذَلِكَ) الفضل الّذي تفضّل به الله عليهم بالإسلام وبالرحمة الّتي أعدّها لهم في الآخرة (فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) أي خيرٌ لهم مِمّا يجمع المشركون من أموال ، لأنّ الأموال تزول والرحمة تدوم .
59 - (قُلْ أَرَأَيْتُم ) يعني أعطوني رأيكم في (مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ ) يعني من الأنعام التي أنزلها من الجبل الذي خلق الله فيه آدم وحوّاء ، وذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } ، (فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً ) وذلك ما حرّموهُ من السائبة والوصِيلة والبَحِيرة ونحوها (قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ ) في ذلك التحريم والتحليل (أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) أي تكذبون ؟
60 - (وَمَا ظَنُّ الّذينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) هل يُثابون أم يُعاقَبون على كذبهم (يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فإن ظنّوا أنّهم يُعاقَبون على كذبهم فكيف إذاً يكذبون على الله بتحريم بعض الأنعام وتحليل البعض الآخر (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) بكثرة النِعم وبـتأجيل العقاب عنهم إلى الآخرة (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ) نِعم الله عليهم .
61 - ثمّ أخذَ سُبحانهُ في خطاب النبيّ والمؤمنين على وجه المدح فقال (وَمَا تَكُونُ ) يا محمّد (فِي شَأْنٍ ) مع قومك من شؤون الدين والقرآن (وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ) يعني وما تقرأ من سورةٍ في القرآن (وَلاَ تَعْمَلُونَ ) أيّها المسلمون (مِنْ عَمَلٍ ) في سبيل الله (إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا ) أي حُضوراً نُشاهد أعمالكم ونسمع تلاوتكم للقرآن (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) يعني إذ تُكثرون في قراءتهِ بين الناس لكي يستمعوا إليهِ . فالفيض معناهُ الكثرة ، يُقال في المثَل "غيضٌ من فيض" ، يعني قليلٌ من كثير ، وتُستعمل هذه الكلمة في السوائل ولا تُستعمَل في الجمادات ، فيقال "فاضَ النهر" ولا يُقال فاضَ الرمل ، وتُستعمل في الكلام فيُقال "أفاضَ في الحديث" ، أي أكثرَ فيهِ (وَمَا يَعْزُبُ ) "العازب" معناهُ الغائب ، البعيد ، المنقطع ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
ما بالُ عينِكِ منها الدمعُ مُهراقِ سَحّاً فلا عازِبٌ منها ولا راقِ
أي فلا ينقطع الدمع منها ولا يقلّ بل هو سُحّاً على الدوام ، فقولها "ولا راقِ" من الرِقّة وهي الخِفّة والقِلّة . وقال حسّان بن ثابت الأنصاري :
أقولُ ولا يُلفَى لِقوليَ عائِبٌ مِنَ النَّاسِ إلا عازِبُ العَقْلِ مُبْعَدُ
فقول الشاعر "إلا عازِبُ العَقْلِ" يعني بعيد القول عن الصواب . فقوله تعالى (وَمَا يَعْزُبُ ) يعني وما يبعدُ ولا ينقطع (عَن) عِلم (رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ) أي ثقلَ ذرّة فما أكبر منها وأثقل (فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) يعني لا من أعمال من سكن الأرض ولا من سكن السماء وهم الجنّ (وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ ) يعني أصغر من الذرّة (وَلا أَكْبَرَ ) منها (إِلاَّ) وتكتبها الملائكة (فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) أي يتبيّن ذلك للعيان يوم القيامة . والمعنى : إنّ الله يُراقب أعمالكم والملائكة تكتبها في صحائف أعمالكم وتؤجَرون عليها في الآخرة ولا تُنقَصون شيئاً منها .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ هؤلاء المؤمنين لهم الأمان في الآخرة فقال :
62 - (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ ) يعني الّذينَ يُحبّون الله ويوالونهُ (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين في عالم البرزخ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الأهل والأولاد .
63 - (الّذينَ آمَنُواْ ) باللهِ ورسولهِ (وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) معاصِيه .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |