كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 54) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

54 - (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ) أي أعلم بذنوبكم (إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ) بفضلهِ فيعفو عنكم (أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ) بعدلهِ بعد موتكم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) يعني وما أرسلناك حفيظاً عليهم تحفظهم من العذاب فتحرص على هدايتهم .

55 - (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي أعلمُ بأعمالهم ، يعني بمن هم في الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض بكثرتهم فضلاً عن هؤلاء لقِلّتهم وأرسلَ فيهم أنبياء ليُرشدوهم ويُعلّموهم (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ) بإعطاء المعجزات والبيّنات والكتب (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) وهو كتاب داوُد .

56 - (قُلِ ادْعُواْ ) الملائكة (الّذينَ زَعَمْتُم ) أنّها بنات الله وعبدتموها (مِّن دُونِهِ ) أي ادعوها لكشف الضُرّ عنكم إن كنتم صادقين أنّها تقدر على ذلك ، وكذلك المسيح وغيره (فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ) يعني ولا تحويل حالكم من الفقر إلى الغِنى .

57 - (أُولَـئِكَ الّذينَ يَدْعُونَ ) يعني الّذينَ يدعونهم المشركون بأنّهم أبناء الله وبناته كالملائكة والمسيح وغيره (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) أي يطلبون التقرّب إلى الله بأعمالهم الصالحة ، فالوسيلة معناها التقرّب ، والشاهد على ذلك قول عنترة :

                            إنَّ الرِّجالَ لَهُمْ إلَيْكِ وَسِيلَةٌ      إنْ يأخُذُوكِ تَكَحَّلِي وتَخَضَّبِي

(أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) يعني ليرَوا أيّهم أقرب عند الله منزلةً (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ) في الآخرة (وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) بسبب بعض تقصير وقع منهم (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) أي يحذرهُ العقلاء والمفكّرون . والمعنى : إنّ الّذينَ تدعونهم وتعبدونهم فهم يعبدون الله ويرجون رحمتهُ ويخافون عذابهُ فلماذا لا تُقلّدونهم في أعمالهم لتربحوا وتنجوا من العذاب ؟

58 - (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ ) يعني ولا من قريةٍ على وجه الأرض (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا ) بالحرّ والعطش وذلك لمن يكون في جهة النهار (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وذلك حين وقوف الأرض عن دورتها المحوريّة فيكون ليلٌ دائم في جهةٍ منها لا يعقبهُ نهار ، وفي الجهة الاُخرى نهارٌ دائم لا يعقبهُ ليل (أَوْ مُعَذِّبُوهَا ) بالجوع والبرد (عَذَابًا شَدِيدًا ) وهذا لمن يكون في جهة اللّيل (كَانَ ذَ‌ٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) أي كتبناهُ في اللّوح المحفوظ فهو كائنٌ لا محالة . وإنّما قال تعالى (أَوْ مُعَذِّبُوهَا ) لأنّ المؤمنين يصعدون إلى السماوات في ذلك اليوم ، يعني نفوسهم تصعد ولا يبقى على الأرض إلاّ الكافرون والمشركون والمنافقون فلذلك يُعذّبون بالجوع والبرد حتّى يموتوا . أمّا الّذينَ يسكنون في جهة النهار فيهلكون بالحرّ والعطش ، وهذا الحادث يقع قبل يوم القيامة . وقد سبق تفسيرها في كتابي الكون والقرآن .

59 - (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ) الرسل (بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) والمعنى : إنّ السبب الذي منعنا أن نرسل رسولاً بمعجزة مادية هم الأولون الذين كذّبوا بالمعاجز وقالوا سحر مبين ، فإن أعطيناكم معجزة مادية على يد محمد كما طلبتم ورأيتموها بأعينكم لقلتم هذا سحر مبين كما قالت أسلافكم ، فحينئذٍ يجب علينا إهلاككم (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ) أية (مُبْصِرَةً) أي واضحة كما اقترحوا على رسولهم (فَظَلَمُوا) أنفسهم (بِهَا) أي بسببها إذ قتلوها فأهلكناهم (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ) أي بالمعجزات (إِلَّا تَخْوِيفًا) لتلك الأمة كما أرسلنا موسى بتسع آيات تخويفاً لفرعون وملئه .

60 - (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ) لا فائدة في المعاجز المادية حيث (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) عِلماً وعرف عاداتهم وتقاليدهم فلو أعطيناك معجزة مادية كعصا موسى وناقة صالح لكذّب بها قومك ولقالوا هذا سحر مبين، ولوجب علينا إهلاكهم ، ولذلك قلنا لك أدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة واترك المعاجز المادية ، أنظر كيف دخلوا في دين الله أفواجاً بالمعجزة العلمية التي أنزلناها عليك وهي القرآن .

(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ) عياناً ليلة المعراج ، يعني ما رآه في السماوات وقت عروجه (إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) يعني اختباراً للناس فنعلم من يثبت على إيمانه ويصدّق ومن يكذّب بها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) التي ذُكِرَت (فِي الْقُرْآنِ) وهي شجرة توت العليق التي أكل منها آدم فطُرِد من الجنة بسببها فهي أيضاً فتنة له ، أي إختباراً . أمّا قوله تعالى (الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) يعني المبعدة ، وذلك قوله تعالى { وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ } . ثم قلعها آدم ورمى بها من فوق الجبل إلى الوادي وأبعدها عنه بعد حادثة الأكل . فاللعن معناه الطرد والإبعاد ، ومن ذلك قول الأعشى:

                               ولانَـلـعنُ الأضـيافَ إنْ نـَزَلُوا بِنَـا      ولا يـَمْنَعُ الـكَـْومَاءَ منّـا نَصِيرُهَــا

فقول الشاعر "ولا نلعن الأضياف" ، يعني لا نطردهم ولا نبعدهم عن منزلنا . (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالعذاب (فَمَا يَزِيدُهُمْ) تخويفنا (إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) .

وإليك بعض ما شاهدتُ بنفسي في بعض الأيّام كنتُ في دار ولدي مصطفَى في الحلّة أسقي الأشجار الّتي في حديقة الدار فوقع نظري على مزهريّة وكان فيها نوع من الصبر (صُبّير) وهو نبات ذو أشواك كثيرة وهو مُستدير الشكل لهُ أضلاع ، وإذا بحيّتَينِ في المزهريّة قد رفعتا رأسيهما وانتصبتا ، فلمّا دنَوتُ من المزهريّة وأمعنتُ النظر فيهما وإذا بفرعين نبتا من الصبرة ولهما رأسان يُشبهان رأس الحيّة تماماً وهُما مُرقّطان بلون أسود كالحيّة تماماً ، فعجبتُ من ذلك المنظر ودعوتُ من كان في الدار إلى مُشاهدة ذلك ، وتذكّرتُ قوله تعالى [في سورة الصافات ] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ } . والصبّير أنواع كثيرة منها المستطيل ومنها المستدير وغير ذلك وكلّها ذات أشواك ، ومنها يوضع في أطراف البساتين كسياج مانع لدخول الناس أو الدوابّ لتلك البستان

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم