كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
55 - (فَمِنْهُم) يعني من اليهود (مَّنْ آمَنَ بِهِ ) يعني آمنَ بالقرآن ، إشارة إلى قوله تعالى فيما سبق (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) ، (وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ) أي عن القرآن ولم يؤمن بهِ (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) لِمن صدّ عنه ولم يؤمن بِه .
56 - (إِنَّ الّذينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا ) أي بالقرآن ولم يُصدّقوا من نزل عليه (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ) يُعذّبون فيها (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ) في النار (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا ) في مُلكهِ ينتقم مِمّن يكفر بآياتهِ ويُكذّب رُسُلهُ (حَكِيمًا) في أعماله وأفعالهِ.
إعلم أنّ العذاب في الآخرة يكون للنفوس وليس للأجسام ، لأنّ الأجسام تتبعثر داخل القبور وتبلَى ولا حاجة فيها ، وإنّ الجلود الّتي ذكرها الله تعالى في هذه الآية هي الجلود الأثيريّة ولذلك سمّاها سُبحانهُ جلوداً ولم يُسمّها أبداناً ، والدليل على ذلك قوله تعالى في قصّة فرعون في سورة يونس {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } . ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ ) فلو قصدَ الأبدان لقال "كلّما احترقت أبدانهم بدّلناهم ابداناً غيرها" ، لأنّ الأبدان المادّيّة إذا أصابها من نار الدنيا تحترق وتكون فحماً فكيف بنار جهنّم على أنّها لا تحترق بل تنضج ، والنضج أقلّ من الإحتراق فهو الطهي ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
فَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ صَفِيـفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّـلِ
الناضج هو المطبوخ الّذي يصلح للأكل ، وفي ذلك قال لبيد :
ذا القِدْرَ إنْ نَضَجَتْ وعَجِّـ === ـلْ قَبْلَهُ ما يَشْتَوِينا
وقال شبيب :
وإنِّي لأُغلِي اللَّحمَ نِيّاً وأنَّني لَمِمَّن يُهِينُ اللَّحمَ وهْوَ نَضِيجُ
وإليك مثلاً في ذلك : خذ قِطعة حديد متينة وضعها في مكان رطِب فإنّها تتأكسد ويكون لها قشرة بُنّيّة اللون هي أوكسيد الحديد ، ثمّ ضعها في النار فتزول قشرتها عنها ، ثمّ ضعها في مكان رطب فتتأكسد ثانية وذلك باتّحاد الأوكسجين بالحديد ، ثم ضعها في النار فتزول قشرتها بالنار ، وهكذا تتكرّر العمليّة عدّة مرّات فإنّ الحديد لا يحترق ولكن تأكل النار ما تأكسدَ منهُ ، فكذلك النفوس لا تحترق بالنار لأنّها أثيريّة غير قابلة للاحتراق ولكن تتعذّب بها ويزداد ألمها بسبب تبديل جلودها .
57 - (وَالّذينَ آمَنُواْ ) بما أنزل الله على رسولهِ (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) أي الأعمال الصالحة (سَنُدْخِلُهُمْ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) لا يخرجون منها (لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) من الحيض والنفاس ومن جميع الأقذار لأنّها أثيريّة (وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً ) لا تنتقل عليه أشعّة الشمس كما في ظِلّ الدنيا بل هو ثابت على الدوام .
58 - (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ ) يجب (أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) لا تميلوا إلى أحد الخصمين في الُحكم (إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ) أي نِعمَ الحُكم الّذي وعظكم بهِ (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا ) لأقوالكم عند صدور الأحكام والْمُحاكمة (بَصِيرًا) بأحوالكم في الميل إلى الحقّ أو إلى الباطل .
59 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما أمركم بهِ ونهاكم عنه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) في إرشاداتهِ وتعاليمهِ (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) يعني ولاة الأمر إن كانوا مسلمين مؤمنين ، لأنّ الخطاب للمؤمنين بقوله (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ ) ، ثمّ قوله (مِنكُمْ) أي من المؤمنين العاملين بأحكام القرآن والدِين (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) من اُمور دينكم أو دنياكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) يعني فراجعوا كتاب الله وهو القرآن إن لم يكن الرسول حاضراً معكم ، أمّا إذا كان رسوله حاضراً فهو يفصل بينكم ، وهذا في زمانه ، أمّا اليوم فقد ذهب الرسول إلى جوار ربّهِ وبقي الكتاب عندنا فيجب أن نردّ تنازعنا إلى كتاب الله ليفصل بيننا ، أمّا الأحاديث الواردة فلا اعتماد عليها لأنّ أكثر الأحاديث مدسوسة ولذلك اختلف المسلمون فصاروا فِرَقاً عديدة ، فكلّ حديث ينطبق مع القرآن نقبلهُ وكلّ حديث لا ينطبق مع القرآن لا نقبله (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ 124) لأنّ من يؤمن بالله يقبل حُكم القرآن ولا يعترض عليه (ذَلِكَ) الردّ إلى كتاب الله والرضا بحكمهِ (خَيْرٌ) لكم من التنازع والاختلاف فيما بينكم (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) أي وأحسن عاقبة .
60 - كان بين رجل من اليهود ورجل من المسلمين خصومة فقال المنافقون لصاحبِهم تحاكم مع اليهودي عند رئيسهم كعب بن الأشرف فإنّه يحكم لك ، فأبَى اليهودي أن يتحاكم عند كعب وقال بل نتحاكم عند محمّد ، وجاؤوا إلى رسول الله فحكم النبيّ لليهودي ، فلم يرضَ المنافق بذلك وقال تعال نتحاكم عند عمر ، فقال اليهودي لعمر قضى لي رسول الله فلم يرضَ خصمي بقضائه ، فقال عمر للمنافق أكذلك ؟ قال نعم ، فقال عمر مكانكما حتّى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذَ سيفه ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق وقال هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله .
ولَمّا سمع المنافقون الّذينَ أغرَوا الرجل وقالوا له تحاكم عند كعب ، جاؤوا إلى النبيّ يعتذرون فنزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ ) يا محمّد (إِلَى) المنافقين (الّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من القرآن (وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) من كتب سماويّة (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ ) يعني إلى كعب بن الأشرف ، والطاغوت كناية كلّ متكبّر ، وهي كناية الشيطان أيضاً لأنّه تكبّر على آدم وامتنع عن السجود (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) وذلك من قوله تعالى في سورة البقرة {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ } ، (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ ) بِما زيّن لهم (أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) عن الحقّ .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |