كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
57 - (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً ) يلجؤون إليهِ ، يعني حِصناً في مدينةٍ يتحصَّنون بهِ (أَوْ مَغَارَاتٍ ) في الجبال يأوون إليها (أَوْ مُدَّخَلاً ) في الأرض ، يعني سراديب يختفون بها عنكم (لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ ) يعني لذهبوا عنكم إلى الملجأ يتحصَّنون بهِ عنكم (وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) أي يخرجون عن طاعتكم وعن دينكم . فالجِماح هو الخروج عن طاعة الغير والعمل بهوى النفس ، ومن ذلك قولهم "فرسٌ جموح" يعني تغلّبَ على راكبهِ وذهبَ به لا ينثني ، و"جمحت المرأة من زوجها" أي خرجت من بيتهِ قبل أن يُطلّقها ، ومِثله طمحت ، وفي ذلك قول شاعرهم :
إذا رَأَتْنِي ذاتُ ضِغْنٍ حَنَّتِ وجَمَحَتْ من زَوْجِها وأَنَّتِ
وقال الآخر :
خَلَعْتُ عِذارِي جامِحـاً مـا يَرُدُّنـِي عَنِ البِيضِ أَمْثالِ الدُّمَى زَجْرُ زاجِرِ
وقال جرير :
ألا تَذكُرُ الأزْمانَ إذْ تَتْبَعُ الصِّبَا وإذْ أنْتَ صَبٌّ وَالهوَى بكَ جامِحُ
وقال جرير لجاريةٍ اشتراها ففركتهُ :
فإنْ تَقصِدي فالقَصْدُ منّي خَلِيقةٌ وإنْ تَجْمَحِي تَلْقَيْ لِجامَ الجوامِحِ
وقال النابعة الذبياني يمدح قوماً :
يَقُولُونَ حِصْنٌ ثُمَّ تَأبَى نُفُوسُهُمْ وكَيْفَ بِحِصْنٍ والجِبالُ جُمُوحُ
يقول الشاعر من يأبى الذلَّ لا يتحصَّن بالحصون خوف القتل بل يذهب إلى الجبال حيث هيَ مكان الجموح .
58 - (وَمِنْهُم) أي من المنافقين (مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) أي يَعيبك فيها إذا رأى قسمتهُ قليلة فيقول إنَّ النبيَّ لا يقسم بالسويّة بل يعطي لمن أحبَّهُ أكثر من غيره (فَإِنْ أُعْطُواْ ) الكثير (مِنْهَا رَضُواْ ) عنك (وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا ) كثيراً (إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) عليك ويعيبونك .
59 - (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ ) من الأموال والرزق الحلال (وَرَسُولُهُ) من الصدقات (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) في المستقبل (وَرَسُولُهُ) في المرّة الثانية المقبلة وقالوا (إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ) في العطاء ، لكان خيراً لهم من أن يلمزوك في الصدقات .
60 - (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ) "الفقير" هو العامل ولكنّه محتاج لأنّ أجرة عمله لا تكفيه ، و"المسكين" هو المحتاج ولا عمل له أو لا يتمكّن على عمل ليحصل على قوتهِ وقوت عياله (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) وهم سُعاة الزكاة أي جُباتها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وهؤلاء قوم من الأشراف في زمن النبيّ (ع) وكان يعطيهم سهماً من الزكاة ليتألّفهم به على الإسلام ويستعين بهم على قتال المشركين (وَفِي الرِّقَابِ ) أي في فكّ الرقاب من الأسْر (وَالْغَارِمِينَ) أي المديونين في غير معصية الله ولا إسراف فيُقضَى عنهم دَينُهم ، ومن ذلك قول جرير يمدح الوليد بن عبد الملك :
أشكُو إليكَ وربّما تكفُونَني عَضَّ الزمانِ وثِقْلَ دَيْنِ الْمُغرَمِ
وقال الحُطيئة :
فَبَاتُوا كِراماً قَدْ قَضَوْا حَقَّ ضَيْفِهِمْ فَلَمْ يَغْرمُوا غُرْماً وَقَدْ غَنِمُوا غُنْمَا
(وَفِي سَبِيلِ اللّهِ ) وهو الجهاد (وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي المسافر المنقطع (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ) فرضها لهم (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بحوائج خلقه (حَكِيمٌ) فيما فرض عليهم وأوجبَ لهم .
61 - (وَمِنْهُمُ) أي من المنافقين (الّذينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ) بالكلام الخبيث فيما بينهم (وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) أي أُذنٌ سامعة ، يعني يستمع إلى ما يُقال لهُ ويصغي إليهِ ويقبله وإنْ كان كذباً (قُلْ) لهم يا محمّد (أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ) لأنَّهُ يقبل عُذركم ولا يؤاخذكم (يُؤْمِنُ بِاللّهِ ) يعني لو لم يكن اُذُناً سامعة لما استمع للوحي وآمن بوحدانيّة الله (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يعني ويؤمن بما يأتيهِ من وحيٍ للمؤمنين ، أي بما يأتي من أخبار عن المستقبل لأجل خيرهم وسعادتهم وانتصارهم وظهور دين الإسلام على سائر الأديان وغير ذلك مِمّا هو في شأنهم (وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ) أيُّها المسلمون (وَالّذينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة .
62 - (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ ) أيُّها المؤمنون (لِيُرْضُوكُمْ) يعني يحلفون لكم ما قالوا شيئاً على النبيّ ولا تكلّموا بكلام يؤذيهِ ولكنهم كاذبون في يمينهم (وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) .
63 - (أَلَمْ يَعْلَمُواْ ) هؤلاء المنافقون (أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) يعني من يتجاوز حدود الله الّتي حدَّها لهم (فَأَنَّ لَهُ ) في الآخرة (نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) .
64 - بعد عودة جيش المسلمين من غزوة تبوك كان جماعة من المنافقين يتكلّمون في النبيّ وأصحابه استهزاءً ويضحكون ، فقال بعضهم ألا تخافون أن تنزل سورة على النبيّ تخبر عنكم وما أضمرتم في قلوبكم . فنزل جبرائيل على النبيّ بهذه الآية (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ) من نوايا سيئة (قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ ) فسترون كيف تكون عاقبة استهزائكم (إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) من كشف أسراركم .
65 - (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ) عن سبب ضَحِكهم واستهزائهم (لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ) في قِصص الماضين (وَنَلْعَبُ) أي نمزح ونلهو بحديثهم ، وهذا كان عُذرهم (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ ) يعن آيات القرآن (وَرَسُولِهِ) محمّد (كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ) والمعنى : لم تكونوا خائضين في قِصص الماضين بل كنتم تستهزؤون بالله وبآياتهِ وبرسولهِ ، فكيف يكون حال من استهزأ بآيات الله في الآخرة ، أليس في جهنّم وبئسَ المصير ؟
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |