كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 58) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

58 - ثمّ ضرب الله مثَلاً للبُخلاء الّذينَ يمنعون حقّ الفقراء ولا ينفقون في سبيل الله فقال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) يعني والبلد الّذي تسكنهُ أناس طيّبون يُنفقُ غنيّهم على فقيرهم وقويّهم يرحم ضعيفهم يخرج نبات أرضهم جيّداً كثيراً نامياً مُثمراً بإذن الله ، وذلك بأن يسوق السحاب إلى بلدهم فينزل المطر على أرضهم فينمو زرعهم ويكثر خصبهم ويزداد ثمرهم (وَالَّذِي خَبُثَ ) أي والبلد الّذي خَبُثَ أهلهُ فلم يرحم قويّهم ضعيفهم ولم ينفق غنيّهم على فقيرهم (لاَ يَخْرُجُ ) نباتهُ أي نبات أرضهم (إِلاَّ نَكِدًا ) يعني إلاّ عسيراً قليلاً لا بركة فيهِ ، وذلك لأنّهم منعوا حقّ الفقير فمنعهم الله بركةَ زرعهم وخيراتهم ، فالنكد معناهُ العسِر ، قليل الخير ، قليل العطاء ، ومن ذلك قول الشاعر :

                               وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّباً      لاَ خَيْرَ فِي المُنْكُودِ والنَّاكِدِ

يعني لا خيرَ في السائل الّذي يلحُّ في السؤال ولا خيرَ في البخيل الّذي لا يُعطي إلاّ بكثرة السؤال ، وقالت الخنساء :

                         فاذهبْ ولا تَبْعَدْ وكلُّ مُعَمّرٍ      سَيَذوقُ كأسَ مَنِيَّةٍ بِتَنَكُّدِ

(كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ) أي نُبيّنها على أوجُهٍ مُتعدّدة (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) على النِّعَم ، أي يُنفقون للفقراء والمساكين شاكرين بذلك نِعمةَ ربّهم ، لأنّ الشُكر نوعان : نوع باللسان ونوع بالعمل ، ويجب أن يقترن القول بالعمل .

59 - ثمّ ذكّر الله المشركين بقصّةِ نوح مع قومه وكيف أغرقهم لَمّا كذّبوا ليعتبروا بها ويُسلِموا فقال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ) وحدهُ واتركوا عبادة الأصنام (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) إن بقيتم على كفركم وإشراككم .

60 - (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ ) عن ديننا (مُّبِينٍ) .

61 - (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ) كما تتوهّمون (وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) أرسلني إليكم .

62 - (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي ) الّتي أرسلني بها إليكم (وَأَنصَحُ لَكُمْ ) في القول والعمل (وَأَعْلَمُ) بالوحي (مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أنتم فاتّبعوني فيما أقول لكم ولا تُخالفوا قولي .

63 - (أَوَعَجِبْتُمْ) يعني وعجبتم (أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي موعظةٌ من ربّكم ، والألف من قوله (أَوَعَجِبْتُمْ) للسؤال والاستفهام (عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ) عن عبادة الأصنام (وَلِتَتَّقُواْ) بذلك العذاب إن تركتم عبادتها (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) في الدنيا والآخرة .

64 - (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالّذينَ ) آمَنوا (مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ) يعني أنجيناهم من الغرق بأن قلنا لهُ إصنع الفُلك واركب فيه أنت ومن معك من المؤمنين (وَأَغْرَقْنَا) الباقين (الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ ) عن طريق الحقّ لا تفيد معهم الموعظة .

65 - (وَإِلَى عَادٍ ) يعني وإلى قبيلة عاد بن عوص بن آرام بن سام بن نوح ، وهو ملِكهم ، أرسلنا (أَخَاهُمْ هُوداً 155 قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ) وحدهُ ولا تُشرِكوا به شيئاً (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) العذاب وترفضون الأصنام !

66 - (قَالَ الْمَلأُ الّذينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ) إذ أنكرتَ آلهتنا ودعوتنا إلى تركها (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) في دعواك .

67 - (قَالَ) هود (يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ) كما تظنّون (وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) أرسلني إليكم .

68 - (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ ) في القول (أَمِينٌ) في العمل .

69 - (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ ) أي موعظةٌ (مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ) عن عبادة الأصنام وعن وُقوع العذاب عليكم إن لم تتركوا عبادتها (وَاذكُرُواْ) نِعَم الله عليكم (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ ) يعني جعلكم خلَفاً لهم فملّكَكُم الأرض (مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ) أي زيادةً في القوّة واتّساعاً في الْمُلْك (فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ ) عليكم ، أي اذكروا نِعَمَهُ عليكم واشكروهُ ولا تعبدوا غيره (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أي تنجحون .

70 - (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ) أي ونتركَ (مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) من العذاب (إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) في قولك .

71 - (قَالَ) لهم هود (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ ) أي مرضٌ (وَغَضَبٌ) وهو العذاب (أَتُجَادِلُونَنِي) في الأصنام وتُدافعون عنها (فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم ) ليس لها من الحقيقةِ شيء ، ما هيَ إلاّ أحجار نحتّموها وجعلتم لها أسماءً (مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا ) أي بعبادتها (مِن سُلْطَانٍ ) في كتاب سماوي ، يعني لم يُنزَلْ حُكمٌ ولا أمرٌ ولا بيّنةٌ في مدحها أو عبادتها في كتاب من الكتب السماويّة لكي تسيروا على نهجهِ وحُكمهِ بل عملتم ذلك بأهوائكم وعبدتموها بآرائكم (فَانتَظِرُواْ) العذاب (إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) .

72 - (فَأَنجَيْنَاهُ) من العذاب لَمّا وقع بهم ، هو (وَالّذينَ) آمَنوا (مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ) عليهم (وَقَطَعْنَا دَابِرَ الّذينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) أي أهلكناهم أجمعين لم يبقَ لهم نسلٌ (وَمَا كَانُواْ ) بآياتنا (مُؤْمِنِينَ) أي ما كانوا مُصدّقين بها .

------------------------------------

155 :هود بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح ، وصار لقبهُ فالج ، ومعناه بالعربيّةِ قاسِم ، لأنّ قومه انقسموا إلى قِسمَين ، قِسمٌ آمَنَ وهاجر معهُ وقِسمٌ بقيَ في مكانه فهلك بالأعاصير ، وإنّما قال الله تعالى (أَخَاهُمْ هُوداً ) ، لأنّهُ من أولاد سام ، وقبيلة عاد أيضاً من سام فيكون أخاهم في النسب .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم