كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنفال من الآية( 58) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

58 - (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ) تبدو آثارها عليهم (فَانبِذْ إِلَيْهِمْ ) العهد (عَلَى سَوَاء ) منك ومنهم ، يعني أعلمهم بأنّك تركتَ العهد الّذي بينك وبينهم لأنّهم يُريدون نقضهُ ، ولا تبدأهم بالقتال قبل أن تُعلمهم بترك العهد والشروط الّتي بينك وبينهم لئلّا ينسبوك إلى الخيانة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) سواءً يهوداً كانوا أو مسلمين .

59 - (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الّذينَ كَفَرُواْ ) ينتصرون عليكم مهما (سَبَقُواْ) في إعداد العُدّة والسلاح (إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ) مهما زاد عددهم وكثُرَ سلاحهم .

60 - (وَأَعِدُّواْ لَهُم ) أي للمشركين (مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) أي من ذخيرةٍ وسلاح (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ) أي ومن مُرابطة الخيّالةِ في حدودِ العدوِّ ومقابلتهم . فالخيل كناية عن الخيّالة ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء مخاطباً إبليس {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يعني بخيّالتك ورجّالتك ، (تُرْهِبُونَ بِهِ ) أي تخوّفون بما تعدّونه لهم (عَدْوَّ اللّهِ ) وهم اليهود (وَعَدُوَّكُمْ) وهم مشركو العرب (وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ ) أي غير ما ذكرنا (لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ) لأنَّهم غير حاضرين معكم ولا في أرضكم ، وهم أهل فارس وغيرهم مِمّا فتح المسلمون بعد وفاة النبيّ (اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) فأخبركم عنهم (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) أي تستوفون بدله الواحد بعشرة في الدنيا وسبعمائة في الآخرة (وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) أي لا تُنقَصون شيئاً منه .

61 - (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ ) يعني إنْ مالوا للصُلح وترك القِتال ، ومن ذلك قول عنترة :

                             فسيرِي مسيرَ الأمنِ يا ابنةَ مالكٍ      ولا تجنحِي بعدَ الرجاءِ إلى اليأسِ

وقال حسّان :
                               وَأَسْمَعَكَ الدَّاعِي الفَصِيحُ بِفُرْقَةٍ      وَقَدْ جَنَحَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِتَغْرُبَا

(فَاجْنَحْ لَهَا ) أي مِل إليها واقبل منهم بالصُلح (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنواياهم فيخبرك بها .

62 - (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ ) باِسم الصُلح والسِلم (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ ) يعني فإنَّ الله يكفيك شرَّهم فيخبرك بنواياهم لتأخذ الحذر منهم (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) من أصحابك

63 - (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) ومنهم الأوس والخزرج فأصبحوا إخواناً في الدين بعدما كانوا مُتباغضين مُتعادين يقتلُ بعضهم بعضاً (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) أي ما في الكواكب السيّارة بأجمعها من مالٍ (مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) لِشدّةِ العدواة الّتي كانت بينهم (وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) بالإسلام فجعلهم مُتحابّين مُتوادِدين (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) لا يمتنع عليه شيءٌ يُريد فِعلَهُ ولا يفعل إلاّ ما تقتضيهِ الحِكمة .

64 - لَمّا رأى النبي قلّة أصحابهِ وكثرة الكافرين يوم بدر سأل من الله النصر على الكافرين ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي يكفيك أن يكون الله ناصراً لك ومن اتبعَك في ميدان القتال من المؤمنين .

65 - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) وشوّقهم بما أعدَّ الله لهم من الأجر في الآخرة ، ثمّ أخذَ سُبحانهُ في تطمين قلب النبيّ والمؤمنين فقال (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ) على القتال (يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الّذينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ) ولذلك لا ينقادون لدين الحقّ .

66 - ولَمّا انتهت غزوة بدر وانتصر المسلمون فيها مع قِلَّتهم على الكافرين مع كثرتهم فقتلوا سبعين رجلاً من المشركين وأسَروا سبعين نزلت هذه الآية (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ ) بعض المشركين من أعدائكم بالقتل والأسر (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) بقلّة العدد والمال والسلاح (فَإِن يَكُن مِّنكُم ) في المستقبل (مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بالنُصرة .

67 - ولَمّا أتَوا بالأسرى يوم بدر قال النبيّ لأصحابهِ : "إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم." فقالوا : "بل نأخذ الفِداء فنتقَوى بهِ على أعدائنا" ، فأخذوا الفِداء وأطلقوهم . فعاتبهم الله على ذلك بهذه الآية (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ) من المشركين ليفديهم (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ) يعني حتّى يُثخنَ في قتلهم وتكونَ له القوّةُ والسيطرة عليهم وبعد ذلك إنْ أرادَ الفِداء فلا بأس بهِ (تُرِيدُونَ) أيُّها المسلمون بأخذ الفِداء (عَرَضَ الدُّنْيَا ) أي تريدون المال الّذي هو عرَضٌ زائل ولا تفكّرون في العاقبة لأنَّهم سيُقاومونكم في المستقبل ويقتلون منكم كما قتلتم منهم وهذا أكبر خطأ ارتكبتموهُ في فكّ الأسرى فكان الأجدر بكم أن تُطلقوا من يُسلم منهم فقط وتقتلوا كلَّ كافرٍ عنيد (وَاللّهُ يُرِيدُ ) لكم (الآخِرَةَ) أي العاقبة ، يعني يُريد لكم حُسنَ العاقبة بقتلهم لأنَّهم يضعفون وتنكسر شوكتهم ويقلُّ عددهم فتنتصرون عليهم في كلِّ حربٍ وقتال (وَاللّهُ عَزِيزٌ ) حيث أخذهم وأذلّهم وسلّطكم عليهم (حَكِيمٌ) في أفعالهِ .

68 - (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ ) يعني لولا أن كتبَ الله لكم النصر وسبق أن وعدكم بهِ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ ) من الفِداء وإطلاق الأسرى المشركين (عَذَابٌ عَظِيمٌ ) من أعدائكم ، وذلك لأنّهم ينتصرون عليكم ويقتلونكم ويأسرونكم ويُعذّبونكم ولكنّ الله لا يريد ذلك لأنّهُ وعدكم بالنصر .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم